إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فقف مكانك لا تتركن أحدًا يلحق بنا

          3911- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدٌ) هو ابن سلامٍ، أو ابن المُثنَّى قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ) قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ ”حدَّثني“ (أَبِي) عبد الوارث بن سعيدٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ) مُصغَّرًا قال: (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ قَالَ: أَقْبَلَ نَبِيُّ اللهِ(1) صلعم ) من مكَّة (إِلَى المَدِينَةِ وَهْو مُرْدِفٌ أَبَا بَكْرٍ) ☺ خلفه على الرَّاحلة التي هو عليها (وَأَبُو بَكْرٍ شَيْخٌ) قد أسرع إليه الشَّيب في لحيته الكريمة (يُعْرَفُ) لتردُّده إليهم للتِّجارة (وَنَبِيُّ اللهِ) ولأبي ذرٍّ ”والنَّبيُّ(2)“ ( صلعم شَابٌّ) ليس في لحيته الشَّريفة شيبٌ، وكان أسنَّ من الصِّدِّيق ☺ (لَا يُعْرَفُ) لعدم تردُّده إليهم (قَالَ: فَيَلْقَى الرَّجُلُ أَبَا بَكْرٍ) ☺ في الانتقال من بني عمرٍو(3) (فَيَقُولُ) / له: (يَا أَبَا بَكْرٍ؛ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْكَ؟ فَيَقُولُ) له: (هَذَا الرَّجُلُ يَهْدِينِي) ولأبي ذرٍّ ”الذي يهديني“ (السَّبِيلَ، قَالَ: فَيَحْسِبُ الحَاسِبُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي: الطَّرِيقَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي) أبو بكرٍ ☺ : (سَبِيلَ الخَيْرِ، فَالتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ (فَإِذَا هُو بِفَارِسٍ) هو سراقة (قَدْ لَحِقَهُمْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا فَارِسٌ قَدْ لَحِقَ بِنَا، فَالتَفَتَ نَبِيُّ اللهِ صلعم فَقَالَ: اللَّهُمَّ اصْرَعْهُ، فَصَرَعَهُ الفَرَسُ) ولأبي ذرٍّ ”فصرعه فرسه“ (ثُمَّ قَامَتْ تُحَمْحِمُ) بحاءين مُهمَلتين وميمين، أي: تُصوِّت، وذَكَّر في قوله «فصرعه» باعتبار لفظ «الفرس»، وأنَّث في قوله «قامت» باعتبار ما في نفس الأمر من أنَّها كانت أنثى، قاله ابن حجرٍ، وقال العينيُّ: قال أهل اللُّغة _ومنهم الجوهريُّ_: الفرس يقع على الذَّكر والأنثى، ولم يقل أحدٌ: إنَّه يُذكَّر باعتبار لفظه، ويُؤنَّث باعتبار أنَّها كانت في نفس الأمر أنثى (فَقَالَ) سراقة: (يَا نَبِيَّ اللهِ مُرْنِي بِمَ) بغير ألفٍ، ولأبي ذرٍّ ”بما“ (شِئْتَ، فقَالَ) ╕ له: (فَقِفْ مَكَانَكَ، لَا تَتْرُكَنَّ أَحَدًا يَلْحَقُ بِنَا) قال في «الكواكب»: هو كقوله‼: لا تدنُ من الأسد يهلكك(4)، وهو ظاهرٌ على مذهب الكسائيِّ، قال في «العمدة»: هذا المثال غير صحيحٍ عند غير الكسائيِّ؛ لأنَّ فيه فسادَ المعنى؛ لأنَّ انتفاء الدُّنوِّ ليس سببًا للهلاك، والكسائيُّ يجوِّز هذا؛ لأنَّه يقدِّر الشَّرط إيجابيًّا في قوَّة: إن دنوت من الأسد تهلكْ (قَالَ: فَكَانَ) سراقة (أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَى نَبِيِّ اللهِ صلعم ، وَكَانَ آخِرَ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ) بفتح الميم وسكون المُهمَلة وفتح اللَّام والحاء المُهمَلة، أي: يدفع عنه الأذى بمثابة السِّلاح (فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم جَانِبَ الحَرَّةِ) بفتح الحاء المُهمَلة والرَّاء المُشدَّدة، فأقام بقباءٍ المدَّة التي أقامها وبنى بها المسجد (ثُمَّ بَعَثَ) ╕ (إِلَى الأَنْصَارِ) فَطَوى في هذا الحديث إقامته ╕ بقباءٍ (فَجَاؤُوْا إِلَى نَبِيِّ اللهِ(5) صلعم وَ) إلى (أَبِي بَكْرٍ) ╩ ، وثبت قوله: «وأبي بكرٍ» لأبي ذرٍّ وحده (فَسَلَّمُوا عَلَيْهِمَا، وَقَالُوا: ارْكَبَا) حال كونكما (آمِنَيْنِ) حال كونكما (مُطَاعَيْنِ) بفتح النُّون والعين بلفظ التَّثنية فيهما، وفي الفرع: بكسرهما بلفظ الجمع، وكشط فوقهما، والأوَّل أوجه على ما لا يخفى (فَرَكِبَ نَبِيُّ اللهِ(6) صلعم وَأَبُو بَكْرٍ) ☺ (وَحَفُّوا) بالحاء المُهمَلة المفتوحة والفاء(7) المُشدَّدة: أحدقوا، أي: الأنصار (دُونَهُمَا بِالسِّلَاحِ، فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ) مرَّتين ( صلعم ، فَأَشْرَفُوا(8) يَنْظُرُونَ) إليه صلعم (وَيَقُولُونَ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ) مرَّةً واحدةً كما في الفرع، والذي في «اليونينيَّة» و«النَّاصريَّة»: ”جاء نبيُّ الله _مرَّتين_ “ (فَأَقْبَلَ) ╕ (يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ جَانِبَ دَارِ أَبِي أَيُّوبَ) الأنصاريِّ ╩ (فَإِنَّهُ) ╕ (لَيُحَدِّثُ أَهْلَهُ، إِذْ سَمِعَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ) بتخفيف لام «ابن سلامٍ» الإسرائيليُّ من حلفاء بني عوف بن الخزرج (وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (فِي نَخْلٍ لأَهْلِهِ يَخْتَرِفُ) بالخاء المُعجَمة والفاء، يجتني (لَهُمْ) من الثِّمار (فَعَجِلَ) بكسر الجيم مُخفَّفةً، استعجل (أَنْ يَضَعَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْميهَنيّ ”أن يَضُمَّ“(9) (الَّذِي يَخْتَرِفُ لَهُمْ) لأهله (فِيهَا) أي: في النَّخل (فَجَاءَ) إلى النَّبيِّ صلعم (وَهْيَ) أي: والحال أنَّ الثَّمرة التي اجتناها (مَعَهُ، فَسَمِعَ مِنْ نَبِيِّ اللهِ صلعم ) في «التِّرمذيِّ»: إنَّه أوَّل ما سمع من كلامه أن قال: «أيُّها النَّاس أفشوا السَّلام، وأطعموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام» (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ) ولأبي ذر ”النَّبيُّ(10)“ ( صلعم : أَيُّ بُيُوتِ أَهْلِنَا) أقارب(11) والدة عبد المطَّلب سلمى بنت عمرٍو من بني مالك بن النَّجَّار (أَقْرَبُ؟(12) فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ) الأنصاريُّ ☺ : (أَنَا يَا نَبِيَّ اللهِ، هَذِهِ دَارِي‼، وَهَذَا بَابِي، قَالَ) ╕ له: (فَانْطَلِقْ فَهْيِئْ) لنا دارك، «فَهْيِئْ»؛ بسكون الهاء في الفرع، والذي في «اليونينيَّة»: بفتحها وتشديد التَّحتيَّة بعدها همزةٌ ساكنةٌ (لَنَا مَقِيلًا) بفتح الميم وكسر القاف، أي: مكانًا نَقيل فيه / ، والمقيلُ: النَّومُ نصف النَّهار، وقال الأزهريُّ: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النَّهار، معها نومٌ أو لا، قال: بدليل قوله تعالى: {وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}[الفرقان:24] والجنَّة لا نومَ فيها (قَالَ) أبو أيُّوب ☺ (قُومَا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ تَعَالَى، فَلَمَّا جَاءَ نَبِيُّ اللهِ(13) صلعم ) إلى منزل أبي أيُّوب الأنصاريِّ ╩ (جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ) إليه صلعم ، زاد في رواية حُمَيدٍ الآتية _إن شاء الله_ قبل «المغازي» [خ¦3938] «فقال: إنِّي أسألك عن ثلاثٍ لا يعلمهنَّ إلَّا نبيٌّ: ما أوَّل أشراط السَّاعة، وما أوَّل طعامٍ يأكله أهل الجنَّة، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمِّه؟» فذكر له جواب مسائله (فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّكَ جِئْتَ بِحَقٍّ، وَقَدْ عَلِمَتْ يَهُودُ أَنِّي سَيِّدُهُمْ وَابْنُ سَيِّدِهِمْ، وَأَعْلَمُهُمْ وَابْنُ أَعْلَمِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ؛ قَالُوا فِيَّ مَا لَيْسَ فِيَّ) بتشديد التَّحتيَّة فيهما (فَأَرْسَلَ نَبِيُّ اللهِ صلعم ) إلى اليهود (فَأَقْبَلُوا فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) ╕ بعد أن خبَّأ لهم عبد الله بن سلامٍ ☺ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم : يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ وَيْلَكُمُ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ حَقًّا، وَأَنِّي جِئْتُكُمْ بِحَقٍّ فَأَسْلِمُوا) بهمزة قطعٍ وكسر اللَّام (قَالُوا) منكرين ذلك: (مَا نَعْلَمُهُ، قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلعم _قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ_ قَالَ) ╕ : (فَأَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ؟ قَالُوا: ذَاكَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا، قَالَ) ╕ لهم: (أَفَرَأَيْتُمْ) أي: أخبِروني(14) (إِنْ أَسْلَمَ) عبدُ الله؟ (قَالُوا: حَاشَى للهِ، مَا كَانَ لِيُسْلِمَ) بضمِّ التَّحتيَّة وكسر اللَّام (قَالَ) ◙ : (أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَى لِلهِ) ولأبي ذرٍّ ”حاشَ لله“(15) (مَا كَانَ لِيُسْلِمَ، قَالَ: أَفَرَأَيتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَ للهِ) ولأبي ذرٍّ: ”حاشى لله“ (مَا كَانَ لِيُسْلِمَ)(16) كُرِّرت ثلاثًا (قَالَ) ╕ : (يَا بْنَ سَلَامٍ اخْرُجْ عَلَيْهِمْ(17)، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ اليَهُودِ اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ) صلعم (وَأَنَّهُ جَاءَ بِحَقٍّ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ ”أنَّه جاء(18) بالحقِّ“ (فَقَالُوا له: كَذَبْتَ، فَأَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم ) من عنده.


[1] في (م): «النَّبيُّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (م): «رسول الله».
[3] كذا قال ☼ ، والوصول إلى بني عمرو بعد ذلك.
[4] في (ب) و(س): «تهلك».
[5] في (ص) و(م): «النَّبيِّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[6] في (م): «رسول الله»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[7] في (م): «المهملة والفاء المفتوحة»، وهو خطأٌ.
[8] قوله: «فَقِيلَ فِي المَدِينَةِ: جَاءَ نَبِيُّ اللهِ، جَاءَ نَبِيُّ اللهِ مرَّتين صلعم، فَأَشْرَفُوا» سقط من (م).
[9] في (م): «بضمِّ»، وليس بصحيحٍ.
[10] في (م): «رسول الله».
[11] زيد في (م): «أي».
[12] في (م): «أقربنا».
[13] في (م): «النَّبيُّ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[14] «أي: أخبروني»: ليس في (ص) و(م).
[15] رواية أبي ذرٍّ جاءت في (م) عند «حاش» السَّابقة.
[16] قوله: «ما كان ليسلم»: سقط من (ص). وقوله: «قَالَ: أَفَرَأَيتُمْ إِنْ أَسْلَمَ؟ قَالُوا: حَاشَ للهِ، ولأبي ذرٍّ: حاشى لله ما كان ليسلم» سقط من (م).
[17] في (م): «إليهم».
[18] «أنَّه جاء»: مثبتٌ من (ص) و(م).