إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئًا ولا نسرق ولا نزني

          3893- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) من الزِّيادة، و«حَبِيبٍ» بالحاء المُهمَلة المفتوحة والمُوحَّدتين بينهما تحتيَّةٌ ساكنةٌ، الأزديِّ أبي رجاءٍ، عالمُ مصر (عَنْ أَبِي الخَيْرِ) مَرْثَد _بفتح الميم والمُثلَّثة بينهما راءٌ ساكنةٌ وآخره دالٌ مُهمَلةٌ‼_ ابن عبد الله المصريِّ (عَنِ الصُّنَابِحِيِّ) بضمِّ الصَّاد المُهمَلة وفتح النُّون المُخفَّفة وبعد الألف مُوحَّدةٌ مكسورةٌ فحاءٌ مُهمَلةٌ، عبد الرَّحمن بن عُسَيلة _بضمِّ العين وفتح السِّين المُهمَلتين مُصغَّرًا_ التَّابعيِّ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) بن قيسٍ أبي الوليد الخزرجيِّ ( ☺ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مِنَ النُّقَبَاءِ) الاثني عشر (الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلعم ) ليلة العقبة الثَّالثة على الإيواء والنُّصرة وغيرهما (وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ) أي: في وقتٍ آخر (عَلَى أَلَّا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئًا) على ترك الإشراك (وَ) أن (لَا نَسْرِقَ) بحذف المفعول؛ ليدلَّ على العموم (وَ) أن (لَا نَزْنِيَ) بالنَّصب عطفًا على سابقه (وَ) أن (لَا نَقْتُلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَلَا نَنْتَهِبَ) بنونين الأولى مفتوحةٌ والثَّانية ساكنةٌ ففوقيَّةٌ مفتوحةٌ فهاءٌ مكسورةٌ فمُوحَّدةٌ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ ”ولا ننهَب“ بحذف الفوقيَّة وفتح الهاء، أي: لا نأخذ مال / أحدٍ بغير حقٍّ (وَ) أن (لَا نَعْصِيَ) بالعين والصَّاد المُهمَلتين، أي: لا نعصي الله في معروفٍ (بِالجَنَّةِ إِنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ) متعلِّقٌ بقوله: «بايعناه» أي: بايعناه على أَلَّا نفعل شيئًا ممَّا ذُكِر(1) بمقابلة الجنَّة، وللكُشْمِيهَنِيِّ ”ولا(2) نقضي“ بالقاف والضَّاد المُعجَمة، وهو تصحيفٌ، وتكلَّف بعضهم في تأويله، فقال: نهاهم عن ولاية القضاء، قال في «الفتح»: وهذا يبطله أنَّ عُبادةَ وَلِيَ قضاءَ فلسطين في زمن عمر ☺ ، وقيل: إنَّ قوله: «بالجنَّة» متعلِّقٌ بـ «نقضي» أي: لا نقضي بالجنَّة لأحدٍ مُعيَّنٍ، بل الأمر موكولٌ إلى الله تعالى لا حكمَ لنا فيه، لكن يبقى قوله: «إن فعلنا ذلك» لا جواب له (فَإِنْ غَشِينَا) بالغين المفتوحة والشِّين المكسورة المُعجَمتين والتَّحتيَّة السَّاكنة، أي: إن أصبنا (مِنْ ذَلِكَ) المنهيِّ عنه (شَيْئًا؛ كَانَ قَضَاءُ ذَلِكَ) مُفوَّضًا (إِلَى اللهِ) ╡، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، وظاهر صنيع المؤلِّف: أنَّ هذه المبايعة وقعت ليلة العقبة، وبه جزم القاضي عياضٌ وآخرون.
          وقال ابن حجرٍ: إنَّما هي مبايعةٌ أخرى غير ليلة العقبة، وإنَّما الذي في العقبة: «أن تمنعوني ممَّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم...» إلى آخره، ثمَّ صدرت بعدُ مبايعاتٌ أخرى؛ منها هذه التي ذكر فيها هذه المنهيَّات، ويقوِّي ذلك نزول آية الممتحنة فإنَّها بعد فتح مكَّة، ولقوله في رواية مسلمٍ والنَّسائيِّ: «كما أَخَذَ على النِّساء» بل عند الطَّبرانيِّ من وجهٍ آخر عن الزُّهريِّ: «ثمَّ بايعنا رسول الله صلعم على ما بايع عليه النِّساء يوم فتح مكَّة» فظهر أنَّ هذه البيعة إنَّما صدرت بعد نزول الآية، بل بعد صدور بيعة العقبة(3)، فصحَّ تغاير البيعتين: بيعة الأنصار قبل الهجرة وبيعةٍ أخرى بعد فتح مكَّة، وإنَّما وقع الالتباس من جهة أنَّ عبادة بن الصَّامت حضر البيعتين، ولمَّا كانت بيعة العقبة من أَجَلِّ ما يُتمدَّح(4)‼ به، فكان يذكرها إذا حدَّث تنويهًا بسابقته، ويؤيِّده أيضًا قوله في هذا الحديث الأخير: «ولا ننتهب» لأنَّ الجهاد لم يكن فُرِض، والمراد بالانتهاب _كما قاله في «الفتح»_: ما يقع بعد القتال، لكنَّ تفسيرَ الانتهاب بذلك على الخصوص غيرُ ظاهرٍ على ما لا يخفى، لكن روى ابن إسحاق بسنده عن عبادة قال: «كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنَّا اثني عشر رجلًا، فبايعنا رسول الله صلعم على بيعة النِّساء» أي: على وفق بيعة النِّساء التي نزلت بعد ذلك عند فتح مكَّة، ففيه الجزم بأنَّها ليلة العقبة، وأُجيب بأنَّه اتَّفق وقوع ذلك قبل نزول الآية، وأُضِيفت للنِّساء لضبطها بالقرآن، والرَّاجح أنَّ التَّصريح بذلك وهمٌ من بعض الرُّواة، والذي دلَّ عليه الأحاديث أنَّ البيعات ثلاثةٌ: العقبة: وكانت قبل فرض الحرب، والثَّانية: بعد الحرب على عدم الفرار، والثَّالثة: على نظير بيعة النِّساء.
          وهذا الحديث قد مرَّ في «كتاب الإيمان» [خ¦18].


[1] في (م): «ذكره».
[2] «ولا»: ليس في (ص).
[3] زاد في «الفتح»: بل بعد فتح مكة.
[4] في (م): «يمتدح».