إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح

          3826- 3827- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) المُقَدَّمِيُّ قال: (حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ) النُّميريُّ قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) ولأبي ذرٍّ: ”ابن عقبة“ قال: (حَدَّثَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ) أبيه (عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ‼ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍَ) بفتح المُوحَّدة وسكون اللَّام وفتح الدَّال وآخره حاءٌ مُهمَلتين؛ وادٍ قبل مكَّة من جهة الغرب، مكانٌ في طريق التَّنعيم، وقيل: وادٍ، وفيه الصَّرف وعدمه (قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ) بفتح أوَّله، ولأبي ذرٍّ: ”يُنْزِل“ بضمِّه (عَلَى النَّبِيِّ صلعم الوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ) بضمِّ القاف (إِلَى النَّبِيِّ صلعم سُفْرَةٌ) بضمِّ السِّين / ، مرفوعٌ نائبٌ عن الفاعل، قال ابن الأثير: السُّفرة طعامٌ يَتَّخذه المسافر، وأكثر ما يُحمَل في جلدٍ مستديرٍ، فنُقِل اسم الطَّعام إلى الجلد، وسُمِّي به كما سُمِّيت المَزَادةُ راويةً(1)، وغير ذلك من الأسماء المنقولة، قال ابن بطَّالٍ: وكانت هذه السُّفرة لقريشٍ (فَأَبَى) زيد بن عمرو بن نُفَيلٍ (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ) مخاطبًا للذين قدَّموا السُّفرة: (إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ) جمع نُصُبٍ بالمُهمَلة وضمَّتين؛ وهي أحجارٌ كانت حول الكعبة يذبحون عليها للأصنام (وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) واستُشكِل: بأنَّ النَّبيَّ صلعم كان أَولى بذلك من زيدٍ، وأجيب بأنَّه ليس في الحديث أنَّه صلعم أكل منها، وعلى تقدير كونه صلعم أكل منها فزيدٌ إنَّما فعل ذلك برأيٍ رآه لا بشرعٍ بلغه، وإنَّما كان عند أهل الجاهليَّة بقايا من دين إبراهيم، وكان في شرع إبراهيم تحريم الميتة لا تحريم ما لم يُذكَر اسمُ الله عليه، وتحريم ما لم يُذكَر اسم الله عليه إنَّما نزل في الإسلام، والأصحُّ أنَّ الأشياء قبل الشَّرع لا تُوصَف بحلٍّ ولا حرمةٍ قاله السُّهيليُّ، وقول ابن بطَّالٍ: _وكانت السُّفرة لقريشٍ فقدَّموها للنَّبيِّ صلعم فأبى أن يأكل منها، فقدَّمها النَّبيُّ صلعم لزيد بن عمرٍو فأبى أن يأكل منها_ تعقَّبه في «الفتح» فقال: هو محتملٌ، لكن لا أدري من أين له هذا الجزم بذلك؟ فإنِّي لم أقف عليه في رواية أحدٍ(2)، وقال الخطَّابيُّ: كان النَّبيُّ صلعم لا يأكل ممَّا يذبحون للأصنام ويأكل ممَّا عدا ذلك وإن كانوا لا يذكرون اسم الله عليه، وإنَّما فعل ذلك زيدٌ برأيٍ رآه لا بشرعٍ بلغه قاله السُّهيليُّ، واستُضعِف: بأنَّ الظَّاهر أنَّه كان في شرع إبراهيم ╕ تحريم ما ذُبِح لغير الله؛ لأنَّه كان عدوَّ الأصنام، وهذا الحديث يأتي _إن شاء الله تعالى_ في «كتاب الصَّيد» [خ¦5499] (وَأَنَّ) بفتح الهمزة، ولأبي ذرٍّ ”فإنَّ“ (زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو) المذكور (كَانَ يَعِيبُ) بفتح أوَّله (عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ) التي يذبحونها لغير الله (وَيَقُولُ) لهم: (الشَّاةُ خَلَقَهَا اللهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا مِنَ السَّمَاءِ المَاءَ) لتشربه (وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ) الكلأ لتأكله (ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللهِ؛ إِنْكَارًا لِذَلِكَ) الفعل (وَإِعْظَامًا لَهُ) ونصب «إنكارًا» على التَّعليل، و«إعظامًا» عطفٌ عليه، وقوله: و«أنَّ زيدًا» موصولٌ بالإسناد المذكور.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الذَّبائح» [خ¦5499] والنَّسائيُّ في «المناقب».
           (قَالَ مُوسَى) بن عقبة بالإسناد المذكور (حَدَّثَنِي) بالإفراد‼ (سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ) بن عمر بن الخطَّاب (وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا تَـُحَـُدَِّثَ) بضمِّ الفوقيَّة والحاء وكسر الدَّال المُهمَلة مبنيًّا للمفعول، ويجوز الفتح فيهما مبنيًّا للفاعل، وفي نسخةٍ: ”إلَّا يُحَدَّثُ“ بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الحاء والدَّال وضمِّ المُثلَّثة (بِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ) من مكَّة (إِلَى الشَّامِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ) أي: دين التَّوحيد (وَيَتْبَعُهُ) بسكون الفوقيَّة في الفرع وأصله وعليها علامة أبي ذرٍّ، وفي «الفتح»: ”ويتَّبعه“ بتشديدها، من الاتِّباع، وللكُشْمِيَهِنِيِّ: ”ويَبْتَغيه“ بتحتيَّةٍ وفوقيَّةٍ مفتوحتين بينهما مُوحَّدةٌ ساكنةٌ وغينٌ معجمةٌ بعدها تحتيَّةٌ ساكنةٌ، أي: يطلبه (فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ) قال الحافظ ابن حجرٍ ☼ : لم أقف على اسمه (فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ) له: (إِنِّي لَعَلِّي) لعلَّ واسمها، وخبرُها قولُه: (أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي) عن شأن دينكم (فَقَالَ) له اليهوديُّ: (لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللهِ) أي: من عذابه (قَالَ زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ) بالفاء (إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَا أَسْتَطِيعُهُ) أي: والحال أنَّ لي قدرةً على عدم حمل ذلك، وفي «اليونينيَّة»: ”وأنَّى أستطيعه“ بتشديد النُّون مفتوحةً، استفهاميَّةً (فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ) من الأديان؟ (قَالَ) له(3): (مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ) دينًا (حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا) الدِّين (الحَنِيفُ؟ قَالَ) اليهوديُّ: هو (دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ) وحده لا شريك له (فَخَرَجَ زَيْدٌ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى) لم يقف الحافظ ابن حجرٍ على اسمه أيضًا (فَذَكَرَ مِثْلَهُ) أي: مثل ما ذكر لعالم اليهود (فَقَالَ) له: (لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ) / أي: من إبعاده من رحمته وطرده عن بابه (قَالَ) له زيدٌ: (مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللهِ، وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَا أَسْتَطِيعُ) وفي «اليونينيَّة» وغيرها: ”وأنَّى“ بفتح النُّون مُشدَّدةً، استفهاميَّةً، وعند الغزاليِّ: «وإنِّي» _بكسر الهمزة والنُّون المُشدَّدة_ «لا أستطيع» (فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ) من الأديان؟ (قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ) له زيدٌ: (وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ، لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا، وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللهَ) وحده لا شريك له (فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ ◙ ؛ خَرَجَ فَلَمَّا بَرَزَ) أي: ظهر خارجًا عن أرضهم (رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي) بكسر الهمزة (أَشْهَدُ(4) أَنِّي) بفتحها (عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ) وروى البزَّار والطَّبرانيُّ من حديث سعيد بن زيدٍ: خرج زيد بن عمرٍو وورقة يطلبان الدِّين حتَّى أتيا الشَّام، فتنصَّر ورقة، وامتنع زيدٌ فأتى الموصل فلقي راهبًا، فعرض عليه النَّصرانيَّة فامتنع... الحديث، وفيه: قال سعيد بن زيدٍ: فسألت أنا وعمر رسولَ الله صلعم عن زيدٍ، فقال: «غفر الله له ورحمه، فإنَّه مات على دين إبراهيم».


[1] في غير (س): «رواية»، وهو تحريفٌ.
[2] في (ص): «أحمد»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (7/177).
[3] «له»: ليس في (م).
[4] في (م): «أُشْهِدُكَ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».