إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ

          272- 273- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو عبد الله بن عثمان العَتَكيُّ مولاهم المروزيُّ، و«عبدان» لقبه (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المُبارَك (قَالَ: أَخْبَرَنَا) وللأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ) عروة (عَنْ عَائِشَةَ) أمِّ المؤمنين(1) ♦ (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِذَا اغْتَسَلَ) أي: إذا(2) أراد الاغتسال (مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ) أي: أخذ الماء في أفعال الاغتسال (ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ) كلَّه، وهو(3) واجبٌ عند المالكيَّة في الغسل لقوله ╕ : «خلِّلوا(4) الشَّعر فإنَّ تحت كلِّ شعرةٍ جنابةً»، سُنَّةٌ في الوضوء للِّحية عند أبي يوسف، فضيلةٌ عند أبي حنيفة ومحمَّدٍ، سُنَّةٌ فيهما عند الشَّافعيَّة، وفي «الرَّوضة» و«أصلها»: يخلِّل الشَّعر بالماء قبل إفاضته ليكون أبعد عن الإسراف في الماء، وفي «المُهذَّب»: يخلِّل اللِّحية أيضًا (حَتَّى إِذَا ظَنَّ) أي: علم أو على بابه، ويكتفي فيه بالغلبة (أَنَّهُ قَدْ) أي: النَّبيّ صلعم ، وللحَمُّويي(5) / والمُستملي: ”أن قد(6) “بفتح الهمزة، أي: أنَّه قد، فهي المُخفَّفة مِنَ الثَّقيلة، واسمها ضمير الشَّأن حُذِفَ وجوبًا (أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ) أي: على شعره (المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) بالنَّصب على المصدريَّة(7) لأنَّه عدد المصدر، وعدد المصدر مصدرٌ (ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ) أي: بقيَّة (جَسَدِهِ)‼ لكن في(8) الرِّواية السَّابقة في أوَّل «الغسل» [خ¦248]: «على جلده(9) كلِّه»، فيحتمل أن يُقال: إنَّ «سائر» هنا بمعنى الجميع.
          (وَقَالَتْ) عائشة ♦ ، بواو العطف على السَّابق، فهو موصول الإسناد: (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا والنَّبِيّ صلعم ) «أنا» تأكيدٌ لاسم «كان»، مصحِّحٌ للعطف على الضَّمير المرفوع المُسْتَكِن، ويجوز فيه النَّصب على أنَّه مفعولٌ معه، أي: مع رسول الله صلعم ، والأكثرون على أنَّ هذا العطف وما كان مثله من باب عطف المُفرَدات، وزعم بعضُهم أنَّه من باب عطف الجمل، وتقديره في قوله تعالى: {لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ}[طه:58]: ولا تخلفه أنت، و{اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }[البقرة:35] تقديره: وليسكن زوجك، وكذا هذا(10): كنت أغتسل أنا، ويغتسل رسول الله صلعم (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) حال كوننا (نَغْرِفُ) بالنُّون والغَيْن المُعجَمة السَّاكنة (مِنْهُ جَمِيعًا) وصاحب الحال فاعل «أَغْتَسِلُ» وما عُطِفَ عليه، ونظيره قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ }[مريم:27] فقِيلَ(11): هو حالٌ من ضمير «مريم»، ومِنَ الضَّمير المجرور ضمير(12) عيسى ╕ لأنَّ الجملة اشتملت على ضميرها وضميره، وقِيلَ: من ضميرها، وقِيلَ: من ضميره، ويحتمل أن يكون في محلِّ الصِّفة لـ «إناءٍ» صفةً مُقدَّرةً بعد الصِّفة الظَّاهرة المذكورة، أو بدلًا من «أغتسل»، ويُقال: جاؤوا جميعًا، أي: كلّهم، قاله العينيُّ كالكِرمانيِّ، وتعقَّبه البرماويُّ فقال: إنَّه وَهِمَ في ذلك، واختار أنَّها حالٌ، أي: نغرف منه حال كوننا جميعًا، قال: والجمع ضدُّ التَّفريق، ويحتمل هنا أن يُراد جميع المغروف أو جميع الغارفين، وقال ابن فرحون: و«جميعًا» يرادف(13) «كلًّا» في العموم، ولا يفيد الاجتماع في الزَّمان بخلاف «معًا»، وعدَّها ابن مالكٍ من ألفاظ التَّوكيد، قال: وأغفلها النَّحويُّون، وقد نبَّه سيبويه على(14) أنَّها بمنزلة: «كلٍّ» معنًى واستعمالًا، ولم يذكر(15) لها(16) شاهدًا من كلام العرب، وقد ظفرت بشاهدٍ له، وهو قول امرأةٍ من العرب ترقِّص ابنًا لها:
فِدَاكَ حَيُّ خَولان                     جَميعهُم وهَمْدان
وهكذا قَحْطَان                     والأكرمون عَدنَان(17)


[1] «أمِّ المؤمنين»: مثبتٌ من (م).
[2] «إذا»: سقط من (د).
[3] في (د): «وهذا».
[4] في (ص): «تخلِّلوا».
[5] في (م): «ولأبي ذرٍّ والحَمُّويي».
[6] «قد»: سقط من (د).
[7] في (ص): «المصدر».
[8] «في»: ليست في (ص).
[9] في (د): «جسده».
[10] في (ب) و(س): «وهكذا».
[11] في (د) و(ص): «قيل».
[12] في (د) و(ص) و(ج): «في».
[13] في (ص) و(م): «يرادفه».
[14] «على»: سقط من (د).
[15] في (ب) و(س): «يذكروا».
[16] «لها»: مثبتٌ من (م).
[17] قوله: «ولم يذكر لها شاهدًا من... والأكرمون عدنان» سقط من (د).