إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أربع خلال من كن فيه كان منافقًا خالصًا

          3178- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) الثَّقفيُّ البغلانيُّ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابن عبد الحميد بن قُرْطٍ، بضمِّ القاف وسكون الرَّاء (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران الكوفيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ) بضمِّ الميم وتشديد الرَّاء، الهَمْدانيِّ _بسكون الميم_ الكوفيِّ التَّابعيِّ (عَنْ مَسْرُوقٍ) أبي عائشة بن الأجدع _بالجيم والدَّال والعين المهملتين_ التَّابعيِّ الكوفيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو) أي: ابن العاص ( ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَرْبَعُ خِلَالٍ) جمع خَلَّةٍ؛ وهي الخصلة (مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ) فأخبر بخلاف الواقع، والشَّرطيَّة خبر المبتدأ الَّذي هو «أربعُ خلالٍ» (وَإِذَا وَعَدَ) بخيرٍ في المستقبل (أَخْلَفَ) فلم يَفِ (وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ) وهذا موضع التَّرجمة (وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) قال البيضاويُّ: يحتمل أن يكون هذا خاصًّا بأبناء زمانه ╕ ، علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميَّز بين من آمن به صدقًا ومن أذعن له نفاقًا، فأراد تعريف أصحابه حالهم ليكونوا على حذرٍ منهم، ولم يصرِّح بأسمائهم لأنَّه علم أنَّ منهم من سيتوب فلم يفضحهم بين النَّاس، ولأنَّ عدم التَّعيين(1) أوقعُ في النَّصيحة، وأجلب للدَّعوة إلى الإيمان، وأبعد عن النُّفور والمخاصمة، ويحتمل أن يكون عامًّا لينزجر الكلُّ عن هذه الخصال على آكد وجهٍ، إيذانًا بأنَّها طلائع النِّفاق الَّذي هو أسمج القبائح‼، كأنَّه كفرٌ مُمَوَّهٌ باستهزاءٍ وخداعٍ مع ربِّ الأرباب، ومسبِّب الأسباب فعلم من ذلك أنَّها منافيةٌ لحال المسلمين، فينبغي للمسلم ألَّا يرتع حولها، فإنَّ من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ويحتمل أن يكون المراد بالمنافق العرفيَّ، وهو من يخالف سرُّه علنَه مطلقًا، ويشهد له قوله: (وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا). لأنَّ الخصال الَّتي تتمُّ بها المخالفة بين السِّرِّ والعلن لا تزيد على هذا، فإذا نقصت منها واحدةٌ نقص / الكمال. انتهى. فمن ندر ذلك منه ليس داخلًا في ذلك، والكذب أقبحها ولذلك علَّل(2) سبحانه وتعالى عذابهم به في قوله: {وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[البقرة:10] ولم يقل: بما كانوا يصنعون من النِّفاق.
          وهذا الحديث سبق في «باب الإيمان» [خ¦34].


[1] في (م): «التَّبيين».
[2] زيد في (ب) و(س): «الله».