إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعث رسول الله رهطًا من الأنصار إلى أبي رافع ليقتلوه

          3022- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ) بكسر اللَّام الخفيفة، ابن سعيدٍ الطُّوسيُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ) ميمون الهَمْدانيُّ الكوفيُّ القاضي (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَبِي) زكريَّا الأعمى (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ الكوفيِّ (عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) الأنصاريِّ ( ☻ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) أي: في رمضان سنة ستٍّ، أو في ذي الحجَّة سنة خمسٍ، أو في آخر(1) سنة أربعٍ (رَهْطًا) ما بين الثَّلاثة إلى التِّسعة من الرِّجال، وكانوا(2) (مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى أَبِي رَافِعٍ) عبد الله أو سلام بن أبي الحُقَيق _بضمِّ الحاء(3) المهملة(4) وفتح القاف الأولى_ اليهوديِّ، وكان قد حزَّب الأحزاب على رسول الله صلعم (لِيَقْتُلُوهُ) بسبب ذلك (فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنْهُمْ) هو عبد الله بن عَتِيكٍ _بفتح العين المهملة وكسر المثنَّاة الفوقيَّة_ الأنصاريُّ (فَدَخَلَ حِصْنَهُمْ) بخيبرَ، أو بأرض الحجاز، وجمع بينهما بأن يكون حصنه(5) كان قريبًا من خيبر في طرف أرض الحجاز (قَالَ) عبد الله بن عَتيك: (فَدَخَلْتُ فِي مَرْبِطِ) بفتح الميم وكسر الموحدة (دَوَابَّ لَهُمْ، قَالَ: وَأَغْلَقُوا بَابَ الحِصْنِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ فَقَدُوا) بفتح القاف(6) (حِمَارًا لَهُمْ، فَخَرَجُوا يَطْلُبُونَهُ، فَخَرَجْتُ فِيمَنْ خَرَجَ أُرِيهِمْ) بضمِّ الهمزة وكسر الرَّاء، من الإراءة (أَنَّنِي) بفتح الهمزة والنُّون الأولى‼ المشدَّدة وكسر الثَّانية، ولأبي ذَرٍّ: ”أَنِّي“ بنونٍ واحدةٍ مكسورةٍ مشدَّدةٍ (أَطْلُبُهُ مَعَهُمْ، فَوَجَدُوا الحِمَارَ، فَدَخَلُوا وَدَخَلْتُ) معهم (وَأَغْلَقُوا باب الحِصْنِ لَيْلًا، فَوَضَعُوا المَفَاتِيحَ فِي كُـَوَّةٍ) بفتح الكاف وضمِّها وتشديد الواو: ثقبٌ(7) في جدار البيت (حَيْثُ أَرَاهَا) بفتح الهمزة (فَلَمَّا نَامُوا أَخَذْتُ المَفَاتِيحَ، فَفَتَحْتُ بَابَ) مكان من (الحِصْنِ) الَّذي(8) فيه أبو رافعٍ (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ) لأتحقَّق أنَّه هو خوفًا من أن أقتل غيره ممَّن لا غرض لي في قتله (فَأَجَابَنِي، فَتَعَمَّدْتُ الصَّوْتَ) أي: اعتمدت جهة الصَّوت لأنَّ الموضع كان مظلمًا (فَضَرَبْتُهُ) عند وصولي إليه (فَصَاحَ، فَخَرَجْتُ) من عنده (ثُمَّ جِئْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ) إليه(9)، ولأبي ذَرٍّ: ”فخرجتُ ثمَّ رجعتُ“ (كَأَنِّي مُغِيثٌ) له (فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ _وَغَيَّرْتُ صَوْتِي_ فَقَالَ: مَا لَكَ؟) «ما» استفهاميَّةٌ، مبتدأٌ، وخبره «لك» (لأُمِّكَ الوَيْلُ) / القياس أن يقول(10): على أمِّك الويل، وذكر اللَّام(11) لإرادة الاختصاص (قُلْتُ: مَا شَأْنُكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي مَنْ دَخَلَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي. قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ) أي: تكلَّفته(12) على مشقَّةٍ (حَتَّى قَرَعَ العَظْمَ) أي: أصابه (ثُمَّ خَرَجْتُ وَأَنَا دَهِشٌ) بفتح الدَّال وكسر الهاء، صفةٌ مشبَّهةٌ، أي: متحيِّرٌ، والجملة حاليَّةٌ، وهذا يقتضي أنَّ الفاعل لذلك كلِّه عبد(13) الله بن عَتيكٍ، لكن عند ابن هشامٍ عن الزُّهريِّ عن عبد الله بن(14) كعب بن مالكٍ: أنَّه خرج إليه خمسة نفرٍ: عبد الله بن عتيكٍ، ومسعود بن سنانٍ، وعبد الله بن أنيسٍ، وأبو قتادة الحارث بن رِبعيٍّ، وخزاعيُّ بن أسودَ حليفٌ لهم مِن أَسْلم، وأمَّر عليهم عبد الله بن عَتيكٍ، وأنَّهم لمَّا دخلوا عليه ابتدروه بأسيافهم، وأنَّ عبد الله بن أنيس(15) تحامل عليه بسيفه في بطنه حتَّى أنفذه، وهو يقول: قَطْني قَطْني، أي: حسبي، لكن ما في البخاريِّ أصحُّ. قال عبد الله بن عَتيك: (فَأَتَيْتُ سُلَّمًا لَهُمْ) بضمِّ السِّين وفتح اللَّام المشدَّدة (لأَنْزِلَ مِنْهُ) بفتح الهمزة (فَوَقَعْتُ فَوُثِئَتْ) بضمِّ الواو وكسر المثلَّثة وهمزةٍ مفتوحةٍ مبنيًّا للمفعول، أي: أصاب عظم (رِجْلِي) شيءٌ لا يبلغ الكسر كأنَّه فكٌّ، وإنَّما وقع من الدَّرجة؛ لأنَّه كان ضعيف البصر (فَخَرَجْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ) لهم: (مَا أَنَا بِبَارِحٍ) بموحَّدتين فألفٍ فراءٍ فحاءٍ مهملةٍ، أي: بذاهبٍ (حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ) بالنُّون وكسر العين، أي: المخبرة بموته، ولأبي ذَرٍّ: ”الواعية “ بالواو بدل النُّون، أي: الصَّارخة الَّتي تندب القتيل، والوعي الصَّوت (فَمَا بَرِحْتُ حَتَّى سَمِعْتُ نَعَايَا(16) أَبِي رَافِعٍ) بفتح النُّون والعين، وبعد المثنَّاة التَّحتيَّة ألفٌ، وقولُ الخطَّابيِّ: «كذا رُوِيَ، وحقُّه: نَعاءِ أبا رافع(17)، أي: انعوا أبا رافعٍ كقولهم: دَراكِ بمعنى: أدركْ» تعقَّبه في «المصابيح» فقال: هذا قدحٌ في الرِّواية الصَّحيحة بوهمٍ يقع في الخاطر، فالنَّعايا هنا: جمع نَعيٍّ كصفيٍّ وصفايا، والنَّعي خبر الموت، أي: فما برحت حتَّى‼ سمعت الأخبار مصرِّحةً بموت أبي رافعٍ (تَاجِرِ أَهْلِ الحِجَازِ) فيه قبول خبر(18) الواحد في الوفاة بقرائن الأحوال، ولو كان القائل(19) كافرًا لأنَّ(20) المحكَّمَ القرينةُ لا القول (قَالَ: فقُمْتُ وَمَا بِي قَلَبَةٌ) بالقاف واللَّام والموحَّدة المفتوحات، أي: ما بقي علَّةٌ أو داءٌ(21) تُقلَب له رجلي لتُعَالجَ (حَتَّى أَتَيْنَا النَّبِيَّ صلعم فَأَخْبَرْنَاهُ) بموت أبي رافعٍ.
          فإن قلت: من أين تؤخَذ المطابقة بين التَّرجمة والحديث؟ أُجيبَ: بأنَّه إنَّما قصد أبا رافعٍ وهو نائمٌ، وإنَّما أيقظه ليعلم مكانه بصوته، فكان حكمه حكمَ النَّائم لأنَّه حينئذٍ استمرَّ على خبال نومه، لأنَّه بعد أن ضربه لم يفرَّ من مكانه، ولا تحوَّل من(22) مضجعه حتَّى عاد إليه فقتله، على أنَّه قد صُرِّح في الحديث الآتي [خ¦3023] بأنَّه قتله في حالة النَّوم. انتهى. وفي الحديث جواز التَّجسُّس على المشركين، وجواز قتل المشرك بغير دعوةٍ إذا كان قد بلغته قبل ذلك، وقتله إذا كان نائمًا مع تحقُّق استمراره على الكفر واليأس من فلاحه بالوحي أو القرائن(23) الدَّالَّة على ذلك، وأخرج الحديثَ المؤلِّفُ أيضًا مختصرًا هنا [خ¦3023] وفي «المغازي» [خ¦4038].


[1] في (م): «أواخر».
[2] «وكانوا»: مثبتٌ من (م).
[3] «الحاء»: ليس في (ب).
[4] «المهملة»: ليس في (د).
[5] في (ب) و(س): «حصنهم».
[6] «بفتح القاف»: ليس في (د).
[7] في (د): «نقب».
[8] «الذي»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[9] في (م): «من عنده» وهو خطأٌ.
[10] في (د1) و(ص): «يقال».
[11] في غير (د) و(م) و(ج): «الأمَّ».
[12] في (د): «تكلَّفت».
[13] في (ص): «عبيد» وهو تحريفٌ.
[14] قوله: «عبد الله بن» زيادة من السيرة لابن هشام وغيرها.
[15] في (د): «عتيك» وهو خطأٌ.
[16] في (م): «ناعيًا» وليس بصحيحٍ.
[17] في (ج) و(ل): «نعائي أبي رافع».
[18] في (ب) و(د1) و(س): «قول».
[19] في (د1) و(ص) و(م): «النَّاقل».
[20] في (د): «كان» وليس بصحيحٍ.
[21] في (د): «ما بي علَّةٌ وداءٌ».
[22] في (م): «عن».
[23] في (ب) و(س): «بالقرائن».