إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أنس: في قصة الأعرابي

          221- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) بفتح المُهمَلة وسكون المُوَحَّدة، هو عبد الله العتكيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المُبارَك (قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الأنصاريُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أخرج البيهقيُّ هذا الحديث من طريق عبدان هذا بلفظ: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلعم ، فلمَّا قضى حاجته قام إلى ناحية المسجد فبال، فصاح به النَّاس، فكفَّهم عنه(1) رسولُ الله صلعم ، ثمَّ قال: «صبُّوا عليه دلوًا من ماءٍ»، وفي بعض الأصول هنا: ”ح“ علامة التَّحويل من سندٍ إلى سندٍ(2) آخر، وفي فرع «اليونينيَّة» بدلها: ”بابٌ“ بالتَّنوين ”يُهَرِيقُ المَاءَ عَلَى البَوْلِ“ بفتح الهاء، وسقط الباب والتَّرجمة في رواية الأَصيليِّ والهرويِّ وعط(3) وابن عساكر.
          (وحَدَّثَنَا) بواو العطف على قوله: «حدَّثنا عبدان»، قال في «الفتح»: وسقطت من رواية كريمة، وفي الفرع: ثبوتها للأَصيليِّ وابن عساكر: «حدَّثنا» (خَالِدٌ) هو ”ابن مَخْلَدٍ“ كما للأَصيليِّ وأبي الوقت وابن عساكر، وهو بفتح الميم وسكون الخاء المُعجَمَة وفتح اللَّام (قَالَ: وحَدَّثَنَا) وللأَصيليِّ وأبي الوقت(4): ”قال: حدَّثنا“ (سُلَيْمَانُ) بن بلالٍ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ) ☺ (قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ المَسْجِدِ) أي: في قطعة من أرضه (فَزَجَرَهُ النَّاسُ) على ذلك، وهذا يدلُّ على أنَّ الاحتراز من النَّجاسة كان مُقرَّرًا عندهم (فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلعم ) عن زجره للمصلحة الرَّاجحة وهي دفع أعظم المفسدتين باحتمال أيسرهما، وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (فَلَمَّا قَضَى) الأعرابيُّ (بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ) بفتح الذَّال المُعجَمَة: الدَّلو المملوءة ماءً أو العظيمة (فَأُهْرِيقَ) بزيادة همزةٍ مضمومةٍ وسكون الهاء وضمِّها(5)، كذا في «اليونينيَّة»(6)، ولأبي ذَرٍّ: ”فهُريق“ بضمِّ الهاء (عَلَيْهِ) أي: على البول، وهذا يدلُّ على أنَّ الأرض المتنجِّسة لا يطهِّرها إلَّا الماء، لا الجفاف بالرِّيح أو الشَّمس(7) لأنَّه لو كان يكفي ذلك لَمَا حصل التَّكليف بطلب الدَّلو، ولأنَّه لم يوجد المُزيل، ولهذا لا يجوز التَّيمُّم بها، وقال الحنفيَّة غير زفر منهم: إذا أصابت(8) الأرض نجاسةٌ فجفَّت بالشَّمس وذهب أثرها جازت(9) الصَّلاة على مكانها لقوله ╕ : «زكاة(10) الأرض يبسها» أي: طهارتها، ولا دلالة هنا على نفي غير الماء لأنَّ الواجب هو الإزالة، والماء مزيلٌ بطبعه، فيُقَاس عليه كلُّ ما كان مزيلًا؛ لوجود الجامع، قالوا: وإنَّما لا يجوز التيمم به لأنَّ طهارة الصَّعيد ثبتت شرطًا بنصِّ الكتاب، فلا تتأدَّى بما ثبت بالحديث. انتهى.
          وفي الحديث: أنَّ غسالة النَّجاسة الواقعة على الأرض طاهرةٌ لأنَّ الماء المصبوب لا بدَّ أن يتدافع عند وقوعه على الأرض‼ ويصل إلى محلٍّ لم يصبه البول ممَّا يجاوره(11)، فلولا أنَّ الغسالة طاهرة لكان الصَّبُّ ناشرًا للنَّجاسة، وذلك خلاف مقصود التَّطهير، وسواء كانت النَّجاسة على الأرض أو غيرها، لكنَّ الحنابلة فرَّقوا بين الأرض وغيرها، والله أعلم.


[1] «عنه»: سقط من (د).
[2] «سند»: سقط من (ص).
[3] «وعط»: مثبتٌ من (م).
[4] قوله: «قَالَ: وحَدَّثَنَا وللأَصيليِّ وأبي الوقت» سقط من (ص).
[5] في (س): «وفتحها»، وليس بصحيحٍ.
[6] قوله: «وسكون الهاء وضمِّها، كذا في اليونينيَّة» سقط من (ص).
[7] في (م): «المشمس».
[8] في (م): «أصاب».
[9] في (م): «جاز».
[10] في (ص) و(م) و(ج): «ذكاة»؛ بالذَّال، وهو خطأٌ.
[11] في (ص): «يجاوزه».