إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة

          2887- قال البخاريُّ: (وَزَادَنَا عَمْرٌو) بفتح العين وسكون الميم، ابن مرزوقٍ أحدُ مشايخه‼، وفي نسخةٍ: ”وزاد لنا عمرٌو“ (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ / أَبِيهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ) لم يقل: وعبد القطيفة (إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ) بكسر الخاء المعجمة، بدل قوله في الأولى: «لم يرض» والَّذي زاده عمرٌو هو قوله: (تَعِسَ وَانْتَكَسَ) بالسِّين المهملة، أي: عاوده المرض كما بدأ به، أو(1) انقلب على رأسه، وهو دعاءٌ عليه بالخيبة؛ لأنَّ من انتكس فقد خاب وخسر (وَإِذَا شِيكَ) بكسر الشِّين المعجمة وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة كافٌ: أصابته شوكةٌ (فَلَا انْتَقَشَ) بالقاف والشِّين المعجمة، أي: فلا خرجت شوكته بالمنقاش، يقال: نقشت الشَّوك إذا استخرجته (طُوبَى) اسم الجنَّة، أو شجرةٌ فيها(2) (لِعَبْدٍ آخِذٍ) بمدِّ الهمزة، وبعد الخاء المعجمة المكسورة ذالٌ معجمةٌ، اسم فاعلٍ من الأخذ، مجرورٌ صفة لـ «عبدٍ»(3) فيمتنع من السَّعي للدِّينار والدِّرهم (بِعِنَانِ فَرَسِهِ) بكسر العين، أي: لجامها في الجهاد (فِي سَبِيلِ اللهِ، أَشْعَثَ) بالمثلَّثة، مجرورٌ بالفتحة لمنعه من(4) الصَّرف على أنَّه صفةٌ للمجرور من قوله: «طوبى لعبدٍ» (رَأْسُهُ) بالرَّفع: فاعلٌ، ولأبي ذَرٍّ: ”أشعثُ“ بالرَّفع. قال في «الفتح»: على أنَّه صفةُ الرَّأس، أي: رأسُه أشعثُ، وتعقَّبه في «العمدة» فقال: لا يصحُّ عند المعربين، والرَّأس: فاعلٌ، وكيف يكون صفته والصِّفة لا تتقدَّم على الموصوف(5)؟! والتَّقدير الَّذي قدَّره يؤدِّي إلى إلغاء قوله: «رأسه» بعد قوله: «أشعث». انتهى. والظَّاهر أنَّه خبرٌ لمبتدأ(6) محذوفٍ تقديره: و(7)هو أشعثُ(8) (مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ) بسكون الغين وتشديد الرَّاء، وإعرابه مثل «أشعثُ رأسه» وقال الطِّيبيُّ في «شرح المشكاة»(9): «أشعثَ رأسهُ» و«مغبَّرةً قدماه» حالان من «لعبدٍ» لأنَّه موصوفٌ (إِنْ كَانَ فِي الحِرَاسَةِ) أي: حراسة العدوِّ خوفًا من هجومه (كَانَ فِي الحِرَاسَةِ) وهي مقدِّمة الجيش (وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ) مؤخَّر الجيش (كَانَ فِي السَّاقَةِ) وفي اتِّحاد الشَّرط والجزاء دلالةٌ على فخامة الجزاء وكماله، أي: فهو في أمرٍ عظيمٍ، فهو نحو: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» [خ¦54]. وقال ابن الجوزيِّ: المعنى أنَّه خامل الذِّكر، لا يقصد السُّموَّ، فأيُّ موضعٍ اتَّفق له كان فيه، فمن لازم(10) هذه الطَّريقة كان حريًّا (إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ) أي: عند النَّاس (لَمْ يُشَفَّعْ) بتشديد الفاء المفتوحة، أي: لم تقبل شفاعته.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) البخاريّ: (لَمْ يَرْفَعْهُ إِسْرَائِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ) وسبق هذا قريبًا [خ¦2886] وهو ساقطٌ في رواية أبي ذرٍّ (وَقَالَ: تَعْسًا) لفظ القرآن: {فَتَعْسًا لَّهُمْ}[محمد:8] (كَأَنَّهُ يَقُولُ: فَأَتْعَسَهُمُ اللهُ) وأمَّا (طُوبَى) فهي (فُعْلَى) بضمِّ الفاء وسكون العين وفتح اللَّام (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ طَيِّبٍ، وَهْيَ يَاءٌ) في الأصل، أي: طُيْبَى _بطاءٍ مضمومةٍ فياءٍ ساكنةٍ_ ثمَّ (حُوِّلَتْ) أي: الياء (إِلَى الوَاوِ) لانضمام ما قبلها (وَهْيَ مِنْ: يَطِيبُ) بفتح أوَّله وكسر‼ ثانيه(11) قال في «الفتح»: إنَّ قوله: ”تعسًا(12)...“ إلى آخره في رواية المُستملي وحده، وهو على عادة البخاريِّ في شرح اللَّفظة الَّتي توافق ما في القرآن.
          والحديث أخرجه أيضًا في «الرِّقاق» [خ¦6435] وابن ماجه في «الزُّهد».


[1] في (د) و(م): «و».
[2] قال السندي في «حاشيته»: (طوبى اسم الجنَّة أو شجرة فيها، قلت: والأظهر أنَّ المراد بها ههنا ما ذكره المصنِّف من أنَّه فعلى من الطِّيب)، والله تعالى أعلم.
[3] في (ص): «العبد».
[4] «من»: ليس في (ص) و(م).
[5] في غير (ب) و(س): «والموصوف لا يتقدَّم على الصِّفة» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[6] في (ص) و(م): «مبتدأ».
[7] «و»: ليس في (د).
[8] قال السندي في «حاشيته»: «أشعث» مجرور بالفتحة لمنعه الصَّرف على أنَّه صفة «عبد»، و«رأسه» مرفوع على الفاعلية، وروي «أشعث» بالرفع، قال ابنُ حجر: على أنَّه صفة الرَّأس؛ أي: رأسه أشعث، قلت: أراد بالصِّفة الخبر؛ لأنَّه صفة معنى، وهذا كما يقول أهل المعاني في باب القصر: إنَّه من قصر الصِّفة على الموصوف، ويريدون به الصِّفة معنى، فيشمل الخبر أيضًا، ويدلُّ عليه ما ذكره من التَّقدير، وبهذا سقط ما ذكره العيني فقال: لا يصحُّ عند المعربين، والرَّأس فاعله، وكيف يكون صفته والموصوف لا يتقدم على الصفة، والتَّقدير الَّذي قدره يؤدِّي إلى إلغاء قوله: رأسه، بعد قوله: أشعث. انتهى. قلت: وكأنَّ العيني نسي في الاعتراض أن يقول: إنَّ أشعث نكرة فلا يصحُّ أن تكون صفة للمعرفة، وقال القسطلاني: الظَّاهر أنَّه خبر مبتدأ محذوفٍ تقديره: هو أشعث. انتهى. قلت: ولا حاجة إليه بما ذكرنا، والله تعالى أعلم.
[9] في (ل): «في شرح مشكاته».
[10] في (د): «لزم».
[11] في (م): «ثالثه»، وهو خطأٌ.
[12] في غير (م): «فتعسًا» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.