إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد

          2822- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقريُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ) بضمِّ العين / مصغَّرًا، ابن سويد الكوفيُّ الفَرَسيُّ _بفتح الفاء والرَّاء ثمَّ مهملةٌ_ نسبةً إلى فرسٍ له سابقٍ (قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ الأَوْدِيَّ) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالدَّال المهملة، نسبةً إلى أود بن معنٍ في باهلة (قَالَ: كَانَ سَعْدٌ) هو ابن أبي وقَّاص أحد العشرة (يُعَلِّمُ بَنِيهِ هَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُ المُعَلِّمُ الغِلْمَانَ الكِتَابَةَ(1)، وَيَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْهُنَّ) بالميم، وفي بعض الأصول: ”بهنَّ“ (دُبُرَ الصَّلَاةِ) بعد السَّلام منها (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ) وهو ضدُّ الشَّجاعة (وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ) هو الخَرَف، أي: يعود كهيئته الأولى في زمن الطُّفوليَّة سخيف العقل قليل الفهم، أو هو أردؤه(2)؛ وهو حال الهرم والضَّعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه، فيكون كَلًّا على أهله مستثقَلًا بينهم يتمنَّون موته، وإن لم يكن له أهلٌ فالمصيبة أعظم (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا) زاد في «باب التَّعوُّذ من البخل(3)» [خ¦6365] من رواية آدم، عن شعبة، عن عبد الملك، عن مصعب، عن سعدٍ: «وأعوذ بك من فتنة الدُّنيا» يعني: فتنة الدَّجَّال، وحكى الكِرمانيُّ: أنَّ هذا من زيادات شعبة بن الحجَّاج. قال ابن حجرٍ: وليس كما قال، فقد بيَّن يحيى ابن أبي(4) بُكير عن شعبة أنَّه من كلام عبد الملك بن عمير راوي الخبر أخرجه الإسماعيليُّ من طريقه، وفي إطلاق الدُّنيا على الدَّجَّال إشارةٌ إلى أنَّ فتنته أعظم الفتن الكائنة في الدُّنيا (وأعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ) الواقع على الكفَّار ومن شاء الله من الموحِّدين، بمطارق من حديدٍ، يسمعه خلق الله كلُّهم، إلَّا الجنَّ والإنس، أعاذنا الله من ذلك ومن سائر المهالك بمنِّه وكرمه، والإضافة هنا من إضافة المظروف إلى ظرفه، فهو على تقدير: «في» أي: من عذابٍ في القبر. قال عبد الملك بن عمير: (فَحَدَّثْتُ بِهِ) أي: بهذا الحديث (مُصْعَبًا) بضمِّ الميم وسكون الصَّاد المهملة وفتح العين، بعدها موحَّدةٌ، ابن سعد بن أبي وقَّاصٍ (فَصَدَّقَهُ).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة واضحةٌ، وإنَّما استعاذ من الجبن؛ لأنَّه يؤدي إلى عذاب الآخرة، كما قاله المهلَّب، لأنَّه يفرُّ مِن قِرنهِ في الزَّحف فيدخل تحت(5) الوعيد، فمن ولَّى فقد باء بغضبٍ من الله، وربَّما يُفتَن في دينه، فيرتدّ بجبنٍ أدركه و(6)خوفٍ على مهجته من الأَسْر والعبوديَّة، ثبَّتنا الله على دينه القويم.
          وهذا الحديث أخرجه الترمذيُّ في «الدَّعوات»، والنَّسائيُّ في «الاستعاذة».


[1] «الكتابة»: سقط من (ص).
[2] في (ب): «أردأ».
[3] في (د) و(ص): «عذاب القبر»، في (ل): «عذاب الفقر».
[4] قوله: «أبي» من (د1) و(م) و(ل)، وهو الصواب.
[5] في (ص): «في».
[6] في (م): «أو».