إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أعطوني ردائي لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا

          2821- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافع قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهاب أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) «عُمر»: بضمِّ العين، و«مُطعِم»: بكسرها وضمِّ الميم، النوفليُّ القرشيُّ (أَنَّ) أباه (مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد أبي (جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ) ☺ ‼ (أَنَّهُ بَيْنَمَا) بالميم (هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَمَعَهُ) أي: والحال أنَّه ╕ معه (النَّاسُ مَقْفَلَهُ) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الفاء واللَّام، مصدرٌ ميميٌ أو اسم زمانٍ، أي: زمان رجوعه (مِنْ حُنَيْنٍ) وادٍ بين مكَّة والطَّائف سنة ثمانٍ (فَعَلِقَهُ النَّاسُ) بفتح العين وكسر اللَّام المخفَّفة وبالقاف ثمَّ الهاء، أي: تعلَّقوا به، ولأبي ذرٍّ: ”فعلقت“ بتاء التَّأنيث بدل الهاء ”الأعراب“ بدل: «النَّاس»، وله عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”فطفقت النَّاس(1)“ حال كونهم (يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ) أي: ألجؤوه (إِلَى سَمُرَةٍ) بفتح السِّين المهملة وضمِّ الميم، وهي شجرةٌ من شجر البادية ذات شوكٍ (فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ) بكسر الطَّاء، أي: علق شوكها بردائه الشَّريف فجبذه، فهو مجازٌ لأنَّه استعير لها الخطف(2)، أو المراد: خطفته الأعراب (فَوَقَفَ النَّبِيُّ صلعم فَقَالَ: أَعْطُونِي رِدَائِي) بهمزة قطعٍ (لَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هَذِهِ العِضَاهِ نَعَمًا) بكسر العين وفتح الضَّاد المعجمة، وبعد الألف هاءٌ وقفًا ووصلًا، شجرٌ كثير الشَّوك، و«نَعَمًا»: نصب على التَّمييز، و«لي» خبر «كان» ويجوز أن يكون «نعمًا» خبر «كان»، والنَّعم: الإبل أو والبقر والغنم، ولأبي ذرٍّ: ”عددَ“ بالنَّصب خبر «كان» مقدَّمًا، «نَعَمٌ» بالرَّفع اسمها مؤخَّرًا (لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ) ولأبي ذرٍّ من غير «اليونينيَّة»: ”عليكم“ (ثُمَّ لَا تَجِدُونِي) بنونٍ واحدةٍ، ولأبي ذرٍّ: ”لا تجدونني“ (بَخِيلًا وَلَا كَذُوبًا وَلَا جَبَانًا) أي: إذا جرَّبتموني لا تجدوني ذا بخلٍ ولا ذا كذبٍ ولا ذا جبنٍ، فالمراد: نفي الوصف من أصله لا نفي المبالغة الَّتي تدلُّ عليها الثَّلاثة، لأنَّ «كذوبًا» من صيغ المبالغة، و«جبانًا» صفةٌ مشبَّهةٌ، و«بخيلًا» يحتمل الأمرين. قال ابن المُنَيِّر _ ⌂ _ وفي جَمعه ╕ بين هذه الصِّفات لطيفةٌ، وذلك لأنَّها متلازمةٌ، وكذا أضدادها الصِّدق والكرم والشَّجاعة، وأصل المعنى هنا: الشَّجاعة، فإنَّ الشُّجاع واثقٌ من نفسه بالخُلْف من كسب سيفه، فبالضَّرورة لا يبخل، وإذا سهل عليه العطاء لا يكذب بالخلف في الوعد، لأنَّ الخلف إنَّما ينشأ من البخل، وقوله: «لو كان لي عدد(3) هذه العضاه» تنبيهٌ بطريق الأولى لأنَّه إذا سمح بمال نفسه فلأن يسمح بقسم غنائمهم عليهم أولى، واستعمال «ثمَّ» هنا بعد ما تقدَّم ذكره ليس مخالفًا لمقتضاها، وإن كان الكرمُ يتقدَّم العطاء، لكنَّ عِلْم النَّاس بكرم الكريم إنَّما يكون بعد العطاء، وليس المراد هنا بـ «ثمَّ» الدِّلالةُ على تراخي العلم بالكرم عن العطاء، وإنَّما التَّراخي هنا لعلوِّ رتبة الوصف، كأنَّه قال: وأعلى من العطاء بما لا يتقارب أن يكون العطاء عن كرمٍ، فقد يكون عطاء بلا كرم كعطاء البخيل ونحو ذلك. انتهى. وفيه دليلٌ على جواز تعريف الإنسان نفسه بالأوصاف الحميدة لمن لا يعرفه؛ ليعتمد عليه.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الخمس» [خ¦3148]‼.


[1] زيد في (م): «الأعراب».
[2] «لأنَّه استعير لها الخطف»: وقع في (م) بعد لفظ: «بكسر الطَّاء».
[3] في (د): «مثل». كذا في مصابيح الجامع.