إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة

          2809- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ ابْنُ عَبْدِ اللهِ) هو محمَّد بن يحيى بن عبد الله الذُّهليُّ، كما جزم به الكلاباذيُّ وتبعه غيره‼، وقد(1) نسبه المؤلِّف إلى جدِّه قال: (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بضمِّ الحاء وفتح السِّين (أَبُو أَحْمَدَ) ابن بهرام التَّميميُّ المَرْوَزيُّ(2) سكن بغداد قال: (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بفتح المعجمة، أبو معاوية النَّحويُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ أُمَّ الرُّبَيِّعِ) بضمِّ الرَّاء وفتح الموحَّدة وتشديد التَّحتيَّة المكسورة (بِنْتَ البَرَاءِ) بنصب «بنتَ» وتخفيف راء «البراء»(3) وهذا وهمٌ، والصواب المعروف: أنَّ الرُّبيِّع بنت النَّضر بن ضمضم عمَّة أنس بن مالك بن النَّضر بن ضمضم، وقال ابن الأثير في «جامعه»: إنَّه الَّذي وقع في كتب «النَّسب» و«المغازي» و«أسماء الصَّحابة». قال ابن حجر: وليس هذا بقادحٍ في صحَّة الحديث ولا في ضبط رواته (وَهْيَ أُمُّ حَارِثَةَ بْنِ(4) سُرَاقَةَ) بضمِّ السِّين المهملة وتخفيف الرَّاء والقاف، و«حارثة»: بالحاء المهملة والمثلَّثة، الأنصاريِّ (أَتَتِ النَّبِيَّ صلعم فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ)؟ بضمِّ(5) المثلَّثة من «تُحدِّثُني» (وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ) وقعة (بَدْرٍ، أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) بتنوين «سهمٌ» و«غرْبٌ» مع سكون الرَّاء، ولأبي ذرٍّ: ”غَرَبٌ“ بفتح الرَّاء، قال ابن قتيبة: وهو الأجود، لكنَّه ذكره مع إضافة «سهم» لـ «غرب»، وقد مرَّ مع غيره أوَّلًا (فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ صَبَرْتُ) قال ابن المُنَيِّر: إنَّما شكَّت فيه لأنَّ العدوَّ لم يقتله قصدًا، وكأنَّها فهمت أنَّ الشَّهيد هو الَّذي يقتل قصدًا؛ لأنَّه الأغلب، فنزَّلت الكلام على الغالب، حتَّى بيَّن لها الرَّسول العموم (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي البُكَاءِ) نقل الحافظ ابن حجر، وتبعه العينيُّ عن الخطَّابيِّ ما نصُّه / : أقرَّها النَّبيُّ صلعم على هذا، فيُؤخَذ منه الجواز، ثمَّ تعقَّباه: بأنَّ ذلك كان قبل تحريم النَّوح فلا دلالة فيه، فإنَّ تحريمه كان في غزوة أُحد، وهذه القصَّة كانت عقب غزوة بدر، وفي هذا نظرٌ لا يخفى، فإنَّها لم تقل: اجتهدت عليه في النَّوح، ولا يلزم من الاجتهاد في البكاء النَّوح، وليس فيما نقلاه عن الخطابيِّ ما يُفْهِمُ ذلك، بل قوله: «أقرّها على هذا» إشارةٌ إلى البكاء المذكور في الحديث، ولا ريب أنَّ البكاء على الميِّت قبل الدَّفن وبعده جائزٌ اتِّفاقًا، فليُتأمَّل.
          (قَالَ) ╕ : (يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا جِنَانٌ) أي: درجاتٌ (فِي الجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى) فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارثة، والضَّمير في قوله: «إنَّها» مبهمٌ يفسِّره ما بعده، كقولهم: هي العرب تقول ما تشاء، ويجوز أن يكون الضَّمير للشَّأن، و«جنانٌ»: مبتدأٌ، والتَّنكير فيه للتَّعظيم(6)، والمراد بذلك: التَّفخيم والتَّعظيم.


[1] «قد»: ليس في (د).
[2] هكذا في النسخ، نسبة إلى مرو الشاهجان، وبهامش (ج) و(ل): كذا بخطِّه، وصوابه: المرُّوذيُّ، كما في «التَّهذيب» و«الفتح» منسوب إلى مرو روذ، وهي مدينة معروفة من مدن خراسان، قال ابن ماكولا: وينسب إليها المرُّوذيُّ، بحذف الواو والرَّاءِ. «ترتيب».
[3] في (ب): الرَّاء من «البراء».
[4] في (ص): «بنت».
[5] في غير (س) و(ص): «برفع».
[6] قوله: «ويجوز أن يكون... للتعظيم»: سقط من (م).