إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا

          2795- 2796- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) الجعفيُّ المسنديُّ قال: (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو) بفتح العين، الأزديُّ البغداديُّ / قال: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) إبراهيم بن محمَّد الفزاريُّ (عَنْ حُمَيْدٍ) الطَّويل أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ) صفةٌ لـ «عبد» (لَهُ عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ) أي: ثوابٌ، والجملة صفةٌ أخرى (يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا) أي: رجوعه، فـ «أنْ» مصدريَّةٌ، والجملة وقعت صفةً لقوله: «خيرٌ» (وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) بفتح الهمزة عطفًا على «أنْ يرجعَ» ويجوز الكسر على أن تكون جملةً حاليَّةً (إِلَّا الشَّهِيدُ) مستثنى من قوله: «يسرُّه أن يرجعَ» (لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ) بكسر اللَّام التَّعليليَّة (فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ‼ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى) «فيُقْتَلَ»: بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الفوقيَّة، مبنيًّا للمفعول، منصوبٌ عطفًا على «أنْ يرجعَ». (وَسَمِعْتُ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”قال“ أي: حُمَيد الطَّويل: ”وسمعت“ (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ غَدْوَةٌ) بفتح الرَّاء والغين (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ أَوْ) قال: والشَّكُّ من الرَّاوي (مَوْضِعُ قِيدٍ) بكسر القاف وسكون التَّحتيَّة، دون إضافةٍ(1) مع التَّنوين الَّذي هو عوضٌ عن(2) المضاف إليه (يَعْنِي: سَوْطَهُ) تفسيرٌ للقيد، غير معروفٍ(3)، ومن ثمَّ جزم بعضهم: بأنَّ الصَّواب: «قِدٍّ» بكسر القاف وتشديد الدَّال، وهو السَّوط المتَّخَذ من الجلد، وأنَّ زيادة الياء تصحيفٌ. وأما قول الكِرمانيِّ: إنَّه لا تصحيف فيه، وإنَّ المعنى صحيحٌ، وإنَّ غاية ما فيه أن يُقال: قلب إحدى الدَّالين ياء، وذلك كثيرٌ، فتعقَّبه العينيُّ، فقال: نفيه التَّصحيف غير صحيحٍ، وتعليله لما ادَّعاه تعليلُ مَن ليس له وقوفٌ على علم الصَّرف؛ وذلك أنَّ قلب أحد الحرفين المتماثلين ياء إنَّما يجوز إذا أُمِنَ اللَّبس، ولا لبسَ أشدّ من ذلك؛ إذ القيد بالياء: المقدار، والقدُّ بالتشديد: السَّوط المتَّخَذ من الجلد، وبينهما بَوٌن عظيمٌ، وعبَّر بموضع: «سوطٍ» لأنَّه الَّذي يسوق به الفرس للزَّحف، فهو أقلُّ آلات المجاهد ومع كونه تافهًا في الدُّنيا، فمحلُّه في الجنَّة أو ثواب العمل به أو نحوه عظيمٌ بحيث إنَّه (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) وهو من تنزيل المغيَّب منزلة المحسوس، وإلَّا فليس شيءٌ من الآخرة بينه وبين الدُّنيا توازنٌ حتَّى يقع فيه التَّفاضل، أو المراد: أنَّ إنفاق الدُّنيا وما فيها لا يوازن ثوابه ثواب هذا، فيكون التَّوازن بين ثوابي عملين، فليس فيه تمثيل الباقي بالفاني(4) (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ) بتشديد الطَّاء المفتوحة وفتح اللَّام (إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا) أي: بين السَّماء والأرض (وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا) وعن ابن عبَّاسٍ فيما ذكره ابن الملقِّن في «شرحه»: خُلِقَت الحوراء(5) من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزَّعفران، ومن ركبتيها إلى ثديها من المسك الأذفر، ومن ثديها إلى عنقها من العنبر الأشهب، ومن عنقها من الكافور الأبيض (وَلَنَصِيْفُهَا) بفتح لام التَّأكيد والنُّون وكسر الصَّاد المهملة وسكون التَّحتيَّة وبالفاء، أي: خمارها (عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) وعند الطَّبرانيِّ من حديث أنسٍ مرفوعًا للنَّبيِّ صلعم عن جبريل: «لو أنَّ بعض بنانها بدا لغلبَ ضوؤُه ضوءَ(6) الشَّمس والقمر، ولو أنَّ طاقةً من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها...»الحديث.


[1] في (ب): «الإضافة».
[2] في (د1) و(ص) و(م): «من».
[3] في (ص): «مصروف».
[4] في (ص): «الفاني بالباقي».
[5] في (م): «الحور حوراء».
[6] «ضوء»: مثبتٌ من (س).