إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة

          2742- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بن دُكَين قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بن عبد الرَّحمن بن عوف (عَنْ) خاله (عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون العين كالسَّابق (عَنْ) أبيه (سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: جَاءَ(1) النَّبِيُّ صلعم ) حال كونه (يَعُودُنِي) زاد الزُّهريُّ في روايته في «الهجرة» [خ¦4409] من وجعٍ أشفيت منه على الموت (وَأَنَا بِمَكَّةَ) في حجة الوداع أو في(2) الفتح أو في كلٍّ منهما (وَهْوَ) أي: النَّبيُّ صلعم أو سعدٌ (يَكْرَهُ أَنْ يَمُوتَ بِالأَرْضِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، قَالَ: يَرْحَمُ اللهُ ابْنَ عَفْرَاءَ) وفي رواية الزُّهريِّ عن عامرٍ في «الفرائض» [خ¦6733] لكن البائس سعد بن خولة. قال الدِّمياطيُّ: والزُّهريُّ أحفظ من سعد بن إبراهيم، فلعلَّه وهم في قوله: «ابن عفراء» ويحتمل أن يكون لأمه اسمان: خولة وعفراء، أو يكون أحدهما اسمًا والآخر لقبًا، أو أحدهما اسم أمِّه والآخر اسم أبيه. قال سعد بن أبي وقاص: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَالشَّطْرُ) بالرَّفع لأبوي ذَرٍّ والوقت، أي: أفيجوز الشَّطر؟ وهو النِّصف، والجرِّ عطفًا على قوله: بمالي كلِّه، أي: فأوصي‼ بالنِّصف؟ وقال الزَّمخشريُّ: هو بالنَّصب على تقدير فعلٍ، أي: أعيِّن النِّصف أو أسمِّي النِّصف (قَالَ: لَا. قُلْتُ: الثُّلُثَُِ) بالرَّفع والجرِّ والنَّصب، ولأبي ذَرٍّ: ”فالثِّلثُِ♣“ بالفاء والرَّفع والجرِّ (قَالَ) ╕ : (فَالثُّلُثَُِ) بالنَّصب على الإغراء، أو بالرَّفع على الفاعل، أي: يكفيك الثُّلثُ أو على تقدير الابتداء والخبرُ محذوفٌ، أي: الثُّلث كافٍ أو العكس _وبالجرِّ_ ولأبي ذَرٍّ: ”قال: الثُّلث“ بغير فاء (وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ) بالمثلَّثة بالنِّسبة إلى ما دونه، قال في «الفتح»: ويحتمل أن يكون لبيان أنَّ التَّصدُّق بالثُّلث هو الأكمل، أي: كثيرٌ أجره(3)، ويحتمل أن يكون معناه: كثيرٌ غير قليلٍ. قال الشَّافعيُّ: وهذا أَولى معانيه، يعني: أنَّ الكثرة أمرٌ نسبيٌّ (إِنَّكَ) بالكسر على الاستئناف، وتُفتَح بتقدير حرف الجرِّ، أي: لأنَّك (أنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ) أي: بنته وأولاد أخيه عتبة بن أبي وقَّاص، منهم: هاشم بن عتبة الصَّحابيُّ، ولأبي ذَرٍّ: ”أَنْ تدعَ أنت ورثتك“ (أَغْنِيَاءَ) وهمزة «أَنْ تدعَ» مفتوحةٌ على التَّعليل(4)، فمحلُّ «أن تدع» مرفوعٌ على الابتداء، أي: تَرْكُكَ أولادَكَ أغنياءَ، والجملة بأسرها خبرُ «أَنْ» وبكسرها على / الشَّرطيَّة، وجزاء الشَّرط قوله: (خَيْرٌ) على تقدير: فهو خيرٌ، وحذفُ الفاء من الجزاء سائغٌ شائعٌ غير مختصٍّ(5) بالضَّرورة، ومن ذلك قوله ╕ في حديث اللُّقطة: «فإن جاء صاحبها، وإلَّا استمتع بها» [خ¦2426] بحذف الفاء في أشباهٍ لذلك(6) ومَن خصَّ هذا الحذف بضرورة الشِّعر فقد حاد عن التَّحقيق، وضيَّق حيث لا تضييق، كما قاله ابن مالك، ورُدَّ: بأنَّه يبقى الشَّرط بلا جزاء. وأُجِيب بأنَّه إذا صحَّت الرِّواية فلا التفات إلى مَن لم يجوِّز حذف الفاء من الجملة الاسمية، بل هو دليلٌ عليه. قال ابن مالكٍ: الأصل إن تركت ورثتك أغنياء فهو خير، فحذفَ الفاء والمبتدأ، ونظيره قوله: «فإن جاء صاحبها وإلَّا استمتع بها»(7)، وذلك ممَّا زعم النَّحويون أنَّه مخصوصٌ بالضَّرورة وليس مخصوصًا بها(8)، بل يكثر استعماله في الشِّعر ويقلُّ في غيره، ومن خصَّ هذا الحذف بالشِّعر(9) حاد عن التَّحقيق، وضيَّق(10) حيث لا تضييق(11). انتهى. (مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً) بتخفيف اللَّام، فقراء (يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) يسألونهم بأكفِّهم بأن يبسطوها للسُّؤال، أو يسألون ما يكفُّ عنهم الجوع (فِي أَيْدِيهِمْ) أي: بأيديهم، أو يسألون(12) بأكفِّهم، وضع المسؤول في أيديهم (وَإِنَّكَ مَهْمَا) عطفٌ على «إنَّك(13) أن تدع، أي: وإنَّك إن عشت فمهما (أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ) ابتغاء وجه الله (فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ) فالأجر حاصلٌ لك حيًّا وميِّتًا، وأجر الواجب يزداد بالنِّية، فافهم (حَتَّى اللُّقْمَةَُِ) بالجرِّ على أنَّ «حتَّى» جارَّة، وبالرَّفع لأبي ذَرٍّ على كونها ابتدائيَّةً، والخبرُ (تَرْفَعُهَا) وبالنَّصب. قال في «فتح الباري»: عطفًا على «نفقة»، والظَّاهر أنَّه سقط من نسخته حرف الجرِّ، أو مراده العطف على الموضع، ولغير أبي ذرٍّ ”حتَّى اللقمة الَّتي ترفعها“ (إِلَى فِي امْرَأَتِكَ) فمها (وَعَسَى اللهُ أَنْ يَرْفَعَكَ) أي: يطيل عمرك، وقد حقَّق الله ذلك، فاتَّفقوا‼ على أنَّه عاش بعد ذلك قريبًا من خمسين سنة(14) (فَيَنْتَفِعَ بِكَ نَاسٌ) من المسلمين بالغنائم ممَّا سيفتح الله على يديك من بلاد الشِّرك (وَيُضَرَّ) مبنيٌّ(15) للمفعول (بِكَ آخَرُونَ) من المشركين الَّذين يهلكون على يديك (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ) لابن أبي وقَّاصٍ (يَوْمَئِذٍ) وارثٌ من أرباب الفروض أو من الأولاد (إِلَّا ابْنَةٌ) واحدةٌ، قيل: اسمها: عائشة. وقال في «الفتح»: الظَّاهر أنَّها أمُّ الحَكَم الكبرى، وقال في «مقدمته»(16): ووهم من قال: هي عائشة، لأنَّ عائشة أصغر أولاده، وعاشت إلى أن أدركها مالك بن أنسٍ، وقد كان لابن أبي وقَّاصٍ عدَّة أولاد، منهم: عمر وإبراهيم ويحيى وإسحاق وعبد الله وعبد الرَّحمن وعمران وصالح وعثمان، ومن البنات ثنتا(17) عشرة بنتًا، وهذا الحديث مضى في «باب رثاء النبي صلعم سعد بن خولة» من «كتاب الجنائز» [خ¦1295] ويأتي إن شاء الله تعالى في «الهجرة»(18) [خ¦4409] وغيرها.


[1] في (د): «جاء إليَّ».
[2] «في»: ليس في (د).
[3] «أي: كثيرٌ أجره»: سقط من (د).
[4] قال السندي في «حاشيته»: قوله: (إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ) هي «أن» المصدرية النَّاصبة، أو «إن» الشرطية الجازمة، وعلى الثاني فلا بدَّ من تقدير المبتدأ في قوله: «خير» مع الفاء، أي: فهو خيرٌ، وعلى الأوَّل لا حاجة إليه بل تكون «أن تدع» مبتدأ خبره «خير»، وقول المحقق ابن حجر: «أن تدع» بفتح «أن» على التعليل، وتبعه القسطلاني يقتضي أن التقدير: لأن تدع وعلى هذا يكون خبر «أنَّ» في «إنك» ولا يخفى أنَّه لا يصحُّ أن يقال: إنَّك لأجل تركهم أغنياء خير من أن تتركهم فقراء، فتأمَّل.
[5] في (د): «مخصَّص».
[6] في (ب) و(س): «ذلك وأشباهه».
[7] قوله: «ورد بأنه... استمتع بها» سقط من (ص).
[8] قوله: «وذلك مما زعم... مخصوصًا بها» سقط من (د1) و(ص) و(م).
[9] في (م): «في الشعر».
[10] في (م): «حقيق».
[11] قوله: «بل يكثر... لا تضييق» سقط من (ص).
[12] في (ص) و(م) و(ل): «يسألوا».
[13] «إنَّك»: سقط من (د).
[14] «سنة»: ليس في (د1) و(ص) و(م).
[15] في (د): «مبنيًّا».
[16] في (د): «المقدِّمة».
[17] في (د): «ثنتي».
[18] في (ص): «الجنائز»، وهو تكرارٌ.