إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بال رجال يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله

          2729- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ(1)) بن أبي أويسٍ، الأصبحيُّ ابن أخت إمام الأئمة مالك بن أنس قال: (حَدَّثَنَا مَالِكٌ) هو خاله، الإمامُ الأعظم (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) وسقط لأبي ذَرٍّ «بن عروة» (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ ، أنَّها (قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ، فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي) موالي (عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ) بالتَّنوين من غير ياءٍ (فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ، فَأَعِينِينِي) وفي «كتاب المكاتبة» [خ¦2560] ممَّا(2) ذكره معلَّقًا، ووصله الذُّهليُّ في «الزُّهريَّات» عن اللَّيث، عن يونس، عن ابن شهابٍ: قال عروة: قالت عائشة: إنَّ بريرة دخلت عليها تستعينها في كتابتها، وعليها خمسة أواقٍ نُجِّمَت عليها في خمس سنين، لكنَّ المشهور ما في رواية هشام بن عروة: «تسع أواقٍ»، وجزم الإسماعيليُّ بأنَّ الرِّواية المعلَّقة غلطٌ، لكنْ جُمِعَ بينهما: بأنَّ الخمس هي(3) الَّتي كانت استُحِقَّت عليها بحلول نجومها(4) من جملة التِّسع الأواقي المذكورة في حديث(5) هشام، ويشهد له أنَّ في رواية عمرة عن عائشة في «أبواب المساجد» [خ¦456] فقال أهلها: إن شئت أعطيت ما يبقى (فَقَالَتْ) عائشة لبريرة: (إِنْ أَحَبُّوا) أهلك (أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ) أي: الأواقي التِّسع، وهو يُشكِل على الجمع الَّذي ذكرته فلْيُتَأمَّل (وَيَكُونَ) نصبٌ(6) عطفًا على المنصوب السَّابق (وَلَاؤُكِ لِي) بعد أن أعتقك، وجواب الشَّرط: (فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَقَالَتْ لَهُمْ) ما قالته عائشة (فَأَبَوْا عَلَيْهَا) أي: فامتنعوا أن يكون الولاء لعائشة (فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ) إلى عائشة (وَرَسُولُ اللهِ صلعم جَالِسٌ) عندها (فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ) بكسر الكاف (عَلَيْهِمْ) تعني(7): أهلها (فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الوَلَاءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلعم ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلعم فَقَالَ: خُذِيهَا) اشتريها فأعتقيها (وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ) أي: عليهم، فاللَّام بمعنى «على»، كذا رويناه عن حرملة عن الشَّافعيِّ‼، لكن ضعَّفه النَّوويُّ: بأنَّه ╕ أنكر الاشتراط، فلو كانت بمعنى «على» لم ينكره، قال: وأقوى الأجوبة أنَّ هذا الحكم خاصٌّ بعائشة في هذه القصَّة، وتعقَّبه ابن دقيق العيد: بأنَّ التخصيص لا يثبت إلَّا بدليلٍ، أو المراد: التَّوبيخ لهم؛ لأنَّه صلعم قد بيَّن لهم أنَّ الشَّرط لا يصحُّ، فلمَّا لجُّوا في اشتراطه قال ذلك، أي: لا تبالي به سواء شرطتيه أم لا. والحكمة في إذنه ثمَّ إبطاله: أن يكون أبلغ في قطع عادتهم وزجرهم عن مثله، وقد أشار الشَّافعيُّ في «الأمِّ» إلى تضعيف رواية هشام المصرِّحة بالاشتراط؛ لكونه انفرد بها دون أصحاب أبيه، لكن قال الطَّحاويُّ: حدَّثني المزنيُّ به عن الشَّافعيِّ بلفظ: «وأشرطي لهم الولاء» بهمزة قطعٍ بغير مثنَّاة فوقيَّة، ثمَّ وجهها بأن المعنى: أظهري لهم حكم الولاء، ولا يلزم أن يكون ما نقله الطَّحاويُّ عن المزنيِّ(8) مذكورًا(9) في «الأمِّ» (فَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ) / الشِّراء والعتق (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي النَّاسِ) خطيبًا (فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ) ما شأنهم (يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللهِ؟) أي: ليست في حكمه وقضائه (مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ فَهْوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِئَةَ شَرْطٍ) أو أكثر (قَضَاءُ اللهِ أَحَقُّ) أي: الحقُّ (وَشَرْطُ اللهِ) الذي شرطه وجعله شرعًا (أَوْثَقُ) أي: القويُّ وما سواه واهٍ، فـ «أفعل» التَّفضيل فيهما ليس على بابها(10) (وَإِنَّمَا الوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ).
          وهذا الحديث قد ذكره المؤلِّف في مواضع كثيرةٍ بوجوهٍ مختلفةٍ وطرقٍ متباينةٍ، قال العينيُّ: وهذا هو الرَّابع عشر موضعًا [خ¦456] [خ¦1493] [خ¦2155] [خ¦2156] [خ¦2168] [خ¦2169] [خ¦2560] [خ¦2561] [خ¦2563] [خ¦2564] [خ¦2565] [خ¦2578] [خ¦2717] [خ¦2726].


[1] في (م): «موسى» وليس بصحيحٍ.
[2] في (د): «كما».
[3] «هي»: سقط من (د).
[4] في (م): «نجمها».
[5] في (د): «رواية».
[6] في (د): «بالنَّصب».
[7] في (د): «يعني».
[8] زيد في (د1) و(ص) و(م): «أن يكون».
[9] في (ل): «المزنيِّ أن يكون مذكورًا».
[10] في (ب) و(س): «بابه».