إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قسم رسول الله أقبيةً ولم يعط مخرمة منها شيئًا

          2599- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) قال(1): (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمامُ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبد الله (عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بكسر الميم وسكون السِّين المهملة، ومَخْرَمة _بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة_ ابن نَوْفَل، الزُّهْريِّ ( ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَقْبِيَةً) بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الموحَّدة، جمع قَباء _بفتح القاف ممدودًا_ جنسٌ من الثِّياب ضيِّقةٌ من لباس العَجَم معروفٌ (وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ مِنْهَا) أي: من الأَقْبية (شَيْئًا) أي: في حال تلك القسمة (فَقَالَ مَخْرَمَةُ) للمِسْوَر: (يَا بُنَيَّ، انْطَلِقْ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) وفي رواية حاتم في «الشَّهادات» [خ¦2657] عسى أن يعطينا منها شيئًا... الحديثَ. قال المِسْوَر: (فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، فَقَالَ: ادْخُلْ فَادْعُهُ) ╕ (لِي) زاد في رواية _تأتي إن شاء الله تعالى_: فأعظمت ذلك، فقال: يا بنيَّ، إنَّه ليس بجبار [خ¦5862] (قَالَ: فَدَعَوْتُهُ لَهُ فَخَرَجَ)‼ ╕ (إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْهَا) أي: من الأقبية، والجملة حاليَّة (فَقَالَ) ╕ : (خَبَأْنَا هَذَا) القَبَاء (لَكَ، قَالَ) المِسْوَر: (فَنَظَرَ إِلَيْهِ) أي: إلى القَبَاء مَخْرَمةُ (فَقَالَ) ╕ : (رَضِيَ مَخْرَمَةُ؟) استفهامٌ، أي: هل رضي؟ ويحتمل _كما قال ابن التِّين_ أن يكون من قول مَخْرَمة.
          ومطابقةُ الحديث للتَّرجمة: من حيث إنَّ نقل المتاع إلى الموهوب له قبضٌ، واختُلِف: هل من شرط صحَّة الهبة القبض، أم لا؟ فالجمهور وهو قولُ الشَّافعيِّ الجديدُ والكوفيِّين: أنَّها لا تُمْلَك إلَّا بالقبض، لقول أبي بكر الصِّدِّيق لعائشةَ ☻ في مرضه، فيما نحلها في صحَّته من عشرين وَسْقًا: «ودِدت أنكِ حُزْتِه أو قبضتِه(2)، وإنَّما هو اليوم مال الوارث»، ولأنَّه عقدُ إرفاق كالقرض، فلا يُملَك إلَّا بالقبض، وفي القديم: تصحُّ بنفس العقد، وهو مشهورُ مذهبِ المالكيَّة، وقالوا: تبطل إن لم يقبضها الموهوب له حتَّى وهبها الواهب لغيره، وقبضها الثَّاني، وهو قول أَشْهب ومحمَّد، وعن ابن القاسم مثلُه، وهو قول الغير في «المدوَّنة» ولابن القاسم أنَّها للأوَّل. قال محمد: وليس بشيء، والحائز أَولى. وقال المِرْدَاويُّ من الحنابلة: وتصحُّ بعقدٍ، وتُمْلَك به أيضًا، ولو مُعَاطاةً بفعل، فتجهيز بنته بجهاز إلى الزَّوج تمليكٌ، وهو كبيعٍ في تراخي قبوله وتقديمه وغيرهما، وتلزم بقبضٍ كمبيع بإذن واهب إلَّا ما كان في يد متَّهبه، فيلزم بعقدٍ، ولا يحتاج إلى مضيِّ مدَّة يتأتَّى قبضه فيها. وعنه _أي: عن أحمد(3)_ يلزم في غير مكيل وموزون ومعدود ومذروع بمجرَّد الهبة، ولا يصحُّ قبضٌ إلَّا بإذن واهب. انتهى.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «اللِّباس» [خ¦5800] و«الشَّهادات» [خ¦2657] و«الخمس» [خ¦3127] و«الأدب» [خ¦6132]، ومسلمٌ في «الزَّكاة» وأبو داود في «اللِّباس»(4) والتِّرمذيُّ في «الاستئذان».


[1] قوله: «حَدَّثَنَا... قال» سقط من (ص).
[2] كذا ولعله: «حزتيه أو قبضتيه».
[3] «أي: عن أحمد»: سقط من (د1) و(ص) و(ج).
[4] قوله: «والشهادات... في اللباس» سقط من (ص).