إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث السائب: ذهبت بي خالتي إلى النبي فقالت: يا رسول الله

          190- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ) البغداديُّ، المُستملي لسفيان بن عُيَيْنَةَ وغيره، وهو أحد الحفَّاظ، المُتوفَّى فجأةً سنة أربعٍ وعشرين ومئتين (قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بالحاء المُهمَلة والمُثنَّاة الفوقيَّة، الكوفيُّ، نزيل المدينة، المُتوفَّى بها سنة ستٍّ وثمانين ومئةٍ في خلافة هارون (عَنِ الجَعْدِ) بفتح الجيم وسكون العَيْن المُهمَلة، وللأكثر(1): ”الجُعيد“ بالتَّصغير وهو المشهور، ابن عبد الرَّحمن / بن أوسٍ المدنيُّ الكنديُّ (قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ) بالسِّين المُهمَلة والمُثنَّاة التَّحتيَّة آخره مُوحَّدةٌ، والثَّاني: مِنَ الزِّيادة، الكنديَّ من صغار الصَّحابة، كان مع أبيه في حجَّة الوداع وهو ابن سبع سنين، ووُلِد في السَّنة الثَّانية من الهجرة، وخرج مع الصِّبيان إلى ثنيَّة الوداع لتلقِّي(2) النَّبيِّ صلعم مَقْدَمَهُ من تبوك، وتُوفِّي بالمدينة سنة إحدى وتسعين، له في «البخاريِّ» ستَّة أحاديث ☺ (يَقُولُ: ذَهَبَتْ) أي: مضت (بِي خَالَتِي) لم تُسمَّ (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ ابْنَ أُخْتِي) عُلْبة(3)، بالعين المُهمَلة(4) المضمومة واللَّام السَّاكنة والمُوحَّدة، بنت شُرَيْحٍ (وَقِعٌ) بفتح الواو وكسر القاف والتَّنوين، أي: أصابه وجعٌ في قدميه، أو يشتكي لحم رجليه من الحفاء لغلظ الأرض والحجارة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”وَقَعَ“ بفتح القاف، بلفظ الماضي، أي: وقع في المرض، وفي الفرع لأبي ذَرٍّ وكريمة وأبي الوقت: ”وَجِعٌ“ بفتح الواو وكسر الجيم والتَّنوين، وعليه الأكثرون، والعرب تسمِّي كلَّ مرضٍ وجعًا، قال السَّائب: (فَمَسَحَ) ╕ (رَأْسِي) بيده الشَّريفة (وَدَعَا لِي بِالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ) بفتح الواو، أي: مِنَ الماء المتقاطر من أعضائه الشَّريفة، وبهذا التَّفسير تقع المُطابَقة بين التَّرجمة والحديث، إذ فيه: دلالةٌ على طهارة الماء المُستعمَل (ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ) ╕ (فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَـِمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) بكسر تاء‼ «خاتم» أي: فاعل الختم وهو الإتمام والبلوغ إلى الآخر، وبفتحها بمعنى: الطَّابع، ومعناه: الشَّيء الذي هو دليلٌ على أنَّه لا نبيَّ بعده، وفيه: صيانةٌ لنبوَّته ╕ عن تطرُّق القدح إليها صيانةَ الشَّيءِ المستوثَق بالختم، وفي رواية أحمد من حديث عبد الله بن سَرْجِس(5): في نُـَغْض كتفه اليسرى، بضمِّ النُّون وفتحها وسكون الغَيْن المُعجَمة آخره ضادٌ مُعجَمةٌ: أعلى الكتف أو العظم(6) الدَّقيق(7) الذي على طرفه (مِثْلَ) بكسر الميم وفتح اللَّام، مفعول «نظرت»، وللأَصيليِّ: ”مثلِ“ بكسرها بدلٌ من المجرور (زِرِّ الحَجَلَةِ) بكسر الزَّاي وتشديد الرَّاء، واحد: الأزرار، و«الحَجَلة» بفتح المُهمَلَة والجيم، واحدة الحجال، وهي بيوتٌ تُزيَّن بالثِّياب والسُّتور والأسِرَّة، لها عُرًى وأزرارٌ، وفي رواية أحمد من حديث أبي رمثة(8) التَّيميِّ قال: خرجت مع أبي حتَّى أتيت رسول الله صلعم ، فرأيت على كتفه مثل التُّفَّاحة، فقال أبي: إنِّي طبيبٌ، ألا أبُطُّها(9) لك؟ قال: «طبيبُها(10) الذي خلقها»، فإن قلت: هل وضع الخاتم بعد مولده ╕ أو وُلِدَ وهو به؟ أُجيب بأنَّ في «الدَّلائل» لأبي نُعيمٍ: «أنَّه صلعم لمَّا وُلِدَ ذكرت أمُّه أنَّ الملَك غمسه في الماء الذي أنبعه ثلاث غمساتٍ، ثمَّ أخرج صرَّةً من حريرٍ أبيض فإذا فيها خاتمٌ، فضرب به على كتفه كالبيضة المكنونة تضيء كالزُّهَرَة» فهذا صريحٌ في وضعه بعد مولده، وقِيلَ: وُلِدَ به، والله أعلم، وفي كتابي(11) «المواهب» مزيدٌ لذلك، ويأتي إن شاء الله تعالى في «صفته ╕ »(12) مزيدُ بحثٍ لذلك.
          ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بغداديٍّ وكوفيٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة والسَّماع، وأخرجه المؤلِّف في «صفته ╕ » [خ¦3541] وفي «الطِّبِّ» [خ¦5670] و«الدَّعوات» [خ¦6352]، ومسلمٌ في «صفته ╕ »، والتِّرمذيُّ في «المناقب» وقال: حسنٌ غريبٌ من هذا الوجه، والنَّسائيُّ في «الطِّبِّ».


[1] في (ب) و(س): «وللأكثرين»، وفي (م): «والأكثر».
[2] في (م): «ليلقى».
[3] في (د): «علية»، وهو تصحيفٌ.
[4] «المُهمَلَة»: سقط من غير (ب) و(س).
[5] في (د) و(ج): «جرجس»، وليس بصحيحٍ.
[6] «أو العظم»: سقط من (م).
[7] في (ص) و(م): «الرقيق».
[8] في (م): «رمية»، وفي سائر النُّسخ: «رميمة»، والتَّصحيح من «مسند أحمد» وكتب التَّراجم.
[9] في (ص): «أطيِّبها»، وفي غير (م): «أطبُّها».
[10] في (م): «طيَّبها».
[11] في (ص): «كتاب».
[12] في «باب خاتم النبوة» قبل «باب صفة النبي صلعم» من «كتاب المناقب».