إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي جحيفة في وضوء النبي

          187- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج (قَالَ: حَدَّثَنَا الحَكَمُ) بفتح الحاء المُهمَلَة والكاف، ابن عُتَيْبَة، بضمِّ العين وفتح المُثنَّاة الفوقيَّة وسكون التَّحتيَّة وفتح المُوحَّدة، التَّابعيُّ الصَّغير الكوفيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ) بضمِّ الجيم وفتح الحاء المُهمَلَة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة وبالفاء، وهب بن عبد الله، السُّوائيُّ، بضمِّ المُهمَلَة والمدِّ، الثَّقفيُّ الكوفيُّ ☺ ، تُوفِّي سنة أربعٍ وسبعين، له في «البخاريِّ» سبعة أحاديث حال كونه (يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ) ولأبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر: ”النَّبيُّ“ ( صلعم بِالهَاجِرَةِ) أي: في وسط النَّهار عند شدَّة الحرِّ في سفرٍ، وفي روايةٍ: أنَّ خروجه كان من قبَّةٍ حمراء من أدمٍ بالأبطح بمكَّة(1) (فَأُتِيَ) بضمِّ الهمزة وكسر التَّاء (بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، أي: بماءٍ يُتوضَّأ به (فَتَوَضَّأَ) منه (فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ) في محلِّ نصبٍ خبر «جعل» الذي هو من أفعال المقاربة (مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) ╕ ، بفتح الواو، أي: الماء الذي بقي(2) بعد فراغه من الوضوء، وكأنَّهمُ اقتسموه، أو كانوا يتناولون ما سال من أعضاء وضوئه صلعم (فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ) تبرُّكًا به لكونه مَسَّ جسده الشَّريف المُقدَّس‼، وفي ذلك دلالةٌ بيِّنةٌ على طهارة الماء المُستعمَل، وعلى القول بأنَّ الماء(3) المأخوذ ما فضل في الإناء(4) بعد فراغه ╕ ، فالماء طاهرٌ، مع ما حصل له مِنَ / التَّشريف والبركة بوضع يده المُبارَكة فيه، و«التَّمسُّح»: «تَفَعُّلٌ»، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم مسح به وجهه ويديه مرَّةً بعد أخرى، نحو: تجرَّعه، أي: شربه جرعةً بعد جرعةٍ، أو هو من باب التَّكلُّف لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم لشدَّة الازدحام على فضل وضوئه ╕ كان يتعنَّى لتحصيله كتشجَّع وتصبَّر (فَصَلَّى النَّبِيُّ(5) صلعم الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ) قصرًا للسَّفر (وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ) بفتحاتٍ: أقصر من الرُّمح وأطول من العصا، فيها زُجٌّ كَزُجِّ الرُّمح، وإنَّما صلَّى إليها لأنَّه صلعم كان في الصَّحراء.
          ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين عسقلانيٍّ وكوفيٍّ وواسطيٍّ، وفيه: التَّحديث والسَّماع، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الصَّلاة» [خ¦495]، وكذا مسلمٌ، والنَّسائيُّ فيها أيضًا.
          188- (وَقَالَ أَبُو مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريُّ ☺ ممَّا أخرجه المؤلِّف في «المغازي» [خ¦4328] بلفظ: كنت عند النَّبيِّ صلعم بالجِعْرَانة ومعه بلالٌ، فأتاه أعرابيٌّ، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ قال: «أبشرْ...» الحديث، واقتصر منه هنا على قوله: (دَعَا النَّبِيُّ صلعم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، ومجَّ فِيهِ) أي: صبَّ ما تناوله من الماء بفيه في الإناء (ثُمَّ قَالَ لَهُمَا) أي: لبلالٍ وأبي موسى: (اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا) جمع نحرٍ وهو موضع القلادة من الصَّدر، وهمزة «اشربا» همزة وصلٍ، مِنْ شَرِبَ، وهمزة «أفرِغا»: همزة(6) قطعٍ مفتوحةٍ من الرُّباعيِّ، واستدلَّ به ابن بطَّالٍ: على أنَّ لعاب الآدميِّ ليس بنجسٍ كبقيَّة شربه، وحينئذٍ فنهيه صلعم عنِ النَّفخ في الطَّعام والشَّراب إنما هو(7) لِئلَّا يُتقذَّر بما(8) يتطاير(9) مِنَ اللُّعاب في المأكول أوِ(10) المشروب، لا لنجاسته، ومُطابَقة التَّرجمة للحديث من حيث استعماله ╕ الماء في غسل يديه ووجهه، وأمره لهما بشربه، وإفراغه على وجوههما ونحورهما، فلو لم يكن طاهرًا لَما أمرهما به.


[1] في (د) و(ص): «من مكَّة».
[2] «بقي»: سقط من (ص).
[3] «الماء»: سقط من (ص) و(م).
[4] في (د): «بالإناء».
[5] في (د): «رسول الله».
[6] «همزة»: سقط من (ص).
[7] «إنَّما هو»: سقط من (ص).
[8] في (م): «ما».
[9] في (ص): «تطاير».
[10] في (س): «و».