إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه

          2559- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ) مُصغَّرًا، أبو ثابتٍ المدنيُّ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) عبدُ الله (قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) الإمام، قال الحافظ ابن حجرٍ: وكأنَّ أبا ثابتٍ تفرَّد به عن ابن وهبٍ، فإنِّي لم أره في شيءٍ من المُصنَّفات إلَّا من طريقه، قال: أبو ثابتٍ بالسَّند (قَالَ) أي: ابن / وهبٍ (وَأَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ فُلَانٍ) وكان ابن وهبٍ سمعه من مالكٍ، وبالقراءة على الآخر، وكان ابن وهبٍ حريصًا على تمييز ذلك، زاد أبو ذرٍّ في روايته عن المُستملي: ”قال أبو إسحاق: قال أبو حربٍ: الذي قال ابنُ فلانٍ هو قول ابن وهبٍ، وهو“ ، أي: المبهم ”ابن سمعان“ (1) يعني: عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المدنيَّ، وقد أخرجه الدَّارقُطنيُّ في «غرائب مالكٍ» من طريق عبد الرَّحمن بن خِرَاشٍ _بكسر المعجمة_ عن البخاريِّ قال: حدَّثنا أبو ثابتٍ محمَّد بن عبيد الله المدنيُّ... فذكر الحديث، لكن قال بدل قوله: «ابن فلانٍ»: ابن سمعان، فكأنَّ البخاريَّ كنَّى به عنه(2) في «الصَّحيح» عمدًا لضعفه، فإنَّه مشهورٌ بالضَّعف، متروك الحديث، كذَّبه مالكٌ وأحمد وغيرهما، ولمَّا حدَّث به البخاريُّ خارج الصَّحيح نسبه، لكن ليس له في الصَّحيح إلَّا هذا الموضع على أنَّه لم يسق المتن من طريقه مع(3) كونه مقرونًا، بل ساقه على لفظ رواية همَّامٍ عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو نعيمٍ في «المستخرج» من طريق العبَّاس بن الفضل عن أبي ثابتٍ فقال: «ابن فلانٍ»، وفي موضعٍ آخر فقال: «ابن سمعان» (عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ) بضمِّ المُوحَّدة (عَنْ أَبِيهِ) أبي سعيدٍ كيسان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ). قال المؤلِّف بالسَّند: ”ح“ (4) (وَحَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”وحدَّثني“ بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّامٍ، قال(5): (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشدٍ (عَنْ هَمَّامٍ) هو ابن منبِّهٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الوَجْهَ) ولمسلمٍ من طريق أبي صالحٍ عن أبي هريرة: «فليتَّقِ» بدل «فليجتنب»، و«قاتل» بمعنى: قتل، فـ «المفاعلة» ليست على ظاهرها، ويؤيِّده حديث مسلمٍ من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: «إذا ضرب»، ومثله للنَّسائيِّ من طريق عجلان، ولأبي داود من طريق أبي سلمة، كلاهما عن أبي هريرة، وعند المؤلِّف في «الأدب المفرد» من طريق محمَّد بن عجلان: أخبرني سعيدٌ، عن أبي هريرة: «إذا ضرب أحدكم خادمه»، ويحتمل أن تكون على ظاهرها ليتناول ما يقع عند دفع الصَّائل(6) مثلًا، فينتهي دافعه عن القصد بالضَّرب إلى وجهه، ويدخل في النَّهي كلُّ من ضرب في حدٍّ أو تعزيرٍ أو تأديبٍ، وفي حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصَّة التي زنت فأمر رسول الله صلعم برجمها، وقال: «ارموا واتَّقوا الوجه»، وقد وقع في «مسلمٍ» تعليل اتِّقاء الوجه، ففي حديث أبي هريرة من طريق أبي أيُّوب(7): «فإنَّ الله خلق آدم على صورته»، والأكثر على أنَّ الضَّمير يعود على المضروب؛ لما تقدَّم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أنَّ المراد التَّعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباطٌ بما قبلها، وقيل: يعود على آدم؛ أي(8): على(9) صفته، فأُمِر بالاجتناب إكرامًا لآدم لمشابهته لصورة(10) المضروب، ومراعاةً لحقِّ الأبوَّة، وظاهر النَّهي التَّحريم، ويؤيِّده حديث سويد بن مقرنٍ عند مسلمٍ: أنَّه رأى رجلًا لطم غلامه(11)، فقال: أما علمت أنَّ الصُّورة محرَّمةٌ.


[1] في (ب): «إسحاق»، وهو تحريفٌ.
[2] «عنه»: ليس في (ص).
[3] في (ب): «من»، وهو تحريفٌ.
[4] «ح»: ليس في (ص) و(م)، وجُعِل في (ب) و(س) في المتن.
[5] «قال»: ليس في (د1) و(ص).
[6] في (ص): «السَّائل»، ولعلَّه تحريفٌ.
[7] «أيُّوب»: سقط من (د1) و(ص).
[8] «أي»: ليس في (ص).
[9] زيد في (ص): «أنَّه على».
[10] في (ص): «بصورة».
[11] كذا قال ولفظ مسلم: «أن جارية له لطمها إنسانٌ».