إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما من شيء كنت لم أره إلا قد رأيته في مقامي هذا

          184- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أُويسٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، وفي رواية ابن عساكر(1): ”حدَّثنا“ (مَالِكٌ) هو ابن أنسٍ، الإمام (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بنِ الزُّبير بنِ العوَّام القرشيِّ (عَنِ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ) بنت المنذر بنِ الزُّبير بنِ العوَّام (عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق، وهي زوجة الزُّبير بنِ العوَّام، وفي بعض النُّسخ: ”عن جدَّته“ بتذكير الضَّمير، وهو صحيحٌ؛ لأنَّ أسماء جدَّةٌ لهشامٍ ولفاطمة(2) كليهما لأنَّها أمُّ أبيه عروة، كما أنَّها أمُّ المنذر أبي فاطمة (أَنَّهَا قَالَتْ: أَتَيْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم حِينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ) بفتح الخاء والسِّين(3)، أي: ذهب ضوؤها كلُّه أو بعضه (فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يُصَلُّونَ، وَإِذَا هِيَ) أي: عائشة ♦ (قَائِمَةٌ تُصَلِّي، فَقُلْتُ: مَا لِلنَّاسِ؟ فَأَشَارَتْ) عائشة (بِيَدِهَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَتْ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”فقالت“: (سُبْحَانَ اللهِ! فَقُلْتُ: آيَةٌ) هي؟ أي: علامةٌ لعذاب النَّاس؟ (فَأَشَارَتْ) عائشة برأسها (أَنْ) ولكريمة: ”أي“ (نَعَمْ) وهي الرِّواية المتقدِّمة في «باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد و(4)الرَّأس» [خ¦86] وهما حرفا تفسيرٍ، قالت أسماءُ: (فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلَّانِي) بالجيم، أي: غطَّاني (الغَشْيُ) من طول تعب الوقوف (وَجَعَلْتُ أَصُبُّ فَوْقَ رَأْسِي مَاءً) مُدافَعةً للغشي، وهذا يدلُّ على أنَّ حواسَّها كانت مدركةً، وإِلَّا فالإغماء الشَّديد المستغرق ينقض الوضوء بالإجماع (فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلعم / ) مِنَ الصَّلاة، أو من المسجد(5) (حَمِدَ اللهَ) تعالى (وَأَثْنَى عَلَيْهِ) من باب عطف العامِّ على الخاصِّ (ثُمَّ قَالَ) صلعم : (مَا مِنْ شَيْءٍ) من الأشياء (كُنْتُ لَمْ أَرَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ) رؤية عينٍ حقيقةً حال كوني (فِي مَقَامِي هَذَا) بفتح الميم (حَتَّى الجَنَّةَُِ وَالنَّارَُِ) برفعهما ونصبهما وجرِّهما، وتقدَّم توجيهها مع استشكال البدرِ الدَّمامينيِّ وجهَ الجرِّ، فليُراجَع (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي القُبُورِ) وفي رواية الأَصيليِّ: ”في قبوركم “ (مِثْلَ) فتنة المسيح الدَّجَّال (أَوْ قَرِيبًا) وفي رواية الأربعة: ”قريبَ“(6) (مِنْ فِتْنَةِ) المسيح (الدَّجَّالِ. لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) ♦ (يُؤْتَى أَحَدُكُمْ فَيُقَالُ لَهُ: مَا عِلْمُكَ بِهَذَا الرَّجُلِ؟) أي: النَّبيّ صلعم (فَأَمَّا المُؤْمِنُ أَوِ المُوقِنُ) بنبوَّته صلعم ، قالت فاطمة بنت المنذر: (لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ) المؤمن أو الموقن (قَالَتْ أَسْمَاءُ، فَيَقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، جَاءَنَا بِالبَيِّنَاتِ) الدَّالَّة على نبوَّته (وَالهُدَى) أي: الموصل للمُراد (فَأَجَبْنَا وَآمَنَّا وَاتَّبَعْنَا)‼ بحذف ضمير المفعول في الثَّلاثة (فَيُقَالُ: نَمْ) وفي رواية الحَمُّويي والأَصيليِّ: ”فيُقال له: نَمْ“ حال كونك (صَالِحًا، فَقَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا(7)) به(8)، وفي همزة «إِنْ»: الكسر، والفتح ورجَّحه البدر الدَّمامينيُّ، بل قال: إنَّه المتعيّن كما سبق تقريره في «باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرَّأس» من «كتاب العلم» [خ¦86] (وَأَمَّا المُنَافِقُ) غير المصدِّق بقلبه لنبوَّته(9) ╕ (أَوِ المُرْتَابُ) الشَّاكُّ، قالت فاطمة: (لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَتْ أَسْمَاءُ) ♦ (فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ) ومحلُّ استدلال المؤلِّف للتَّرجمة من هذا الحديث فعلُ أسماءَ، من جهة أنَّها كانت تصلِّي خلف النَّبيِّ صلعم ، فكان يرى الذين خلفه وهو في الصَّلاة، ولم يُنقَل أنَّه أنكر عليها، وقد تقدَّم شيءٌ من مباحث هذا الحديث في «باب العلم» [خ¦86] ويأتي مزيدٌ لذلك إن شاء الله تعالى في «كتاب صلاة الخسوف» [خ¦1053].
          ورواة هذا الحديث كلُّهم مدنيُّون، وفيه رواية الأقران: هشامٍ وزوجته فاطمة، وفيه: التَّحديث بالإفراد والجمع والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف في «العلم» [خ¦86] و«الطَّهارة» [خ¦922] و«الكسوف» [خ¦1053] و«الاعتصام» و«الاجتهاد» [خ¦7287] و«السَّهو» [خ¦1235]، ومسلمٌ في «الصَّلاة».


[1] «ابن عساكر»: سقط من (ص)، والذي في نسخنا من اليونينية باتفاق عزو هذا إلى رواية الأصيلي، فلعل رمز (ص) اشتبه على القسطلاني ☼ برمز (س).
[2] في (م): «وفاطمة».
[3] في (م): «الشِّين».
[4] في (ص): «أو».
[5] «أو من المسجد»: سقط من (م).
[6] قوله: «وفي رواية الأربعة: قريب» سقط من (ص)، والذي في نسخنا من اليونينية أنَّ رواية الأصيلي وابن عساكر و[عط] ورواية السمعاني عن أبي الوقت: «أو قريبًا».
[7] في (ب) و(س): «لموقنًا».
[8] «به»: سقط من (ب).
[9] في (ب) و(س): «بنبوَّته».