إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا

          2461- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَزِيدُ) بن أبي حبيبٍ (عَنْ أَبِي الخَيْرِ) مرثدٍ _بالمُثلَّثة_ ابن عبد الله اليزنيِّ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) الجهنيِّ، أنَّه (قَالَ: قُلْنَا لِلنَّبِيِّ صلعم : إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ لَا يَقْرُونَا) بفتح أوَّله وإسقاط نون الجمع للتَّخفيف، ولأبي ذرٍّ: ”لا يقروننا“ أي: لا يضيِّفوننا (فَمَا تَرَى‼ فِيهِ؟ فَقَالَ) ╕ (لَنَا: إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأُمِرَ لَكُمْ) بضمِّ الهمزة وكسر الميم (بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا) ذلك منهم (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فخذوا منه“ ، أي: من مالهم (حَقَّ الضَّيْفِ) ظاهرُه الوجوبُ بحيث لو امتنعوا من فعله أُخِذ منهم قهرًا، وحُكِي القول به عن اللَّيث، وقال أحمد بالوجوب على أهل البادية دون القرى، ومذهب أبي حنيفة ومالكٍ والشَّافعيِّ والجمهور: أنَّ ذلك سُنَّةٌ مُؤكَّدةٌ، وأجابوا عن حديث الباب بحمله على المُضطَرين، فإنَّ ضيافتهم واجبةٌ تُؤخَذ من مال الممتنع بعوضٍ عند الشَّافعيِّ، أو هذا كان في أوَّل الإسلام حيث كانت المواساة واجبةً، فلمَّا اتَّسع الإسلام نُسِخ ذلك بقوله ╕ : «جائزته يومٌ وليلةٌ» [خ¦6135] والجائزة تفضُّلٌ وليست بواجبةٍ، أو المراد: العمَّال المبعوثون من جهة الإمام، بدليل قوله: «إنَّك تبعثنا»، فكان على المبعوث إليهم طعامُهم ومركبُهم وسُكْناهم يأخذونه على العمل الذي يتولَّونه؛ لأنَّه لا مقام لهم إلَّا بإقامة هذه الحقوق، واستدلَّ به المؤلِّف على مسألة الظَّفر، وبها قال الشَّافعيُّ فجزم بالأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحقِّ بالقاضي بأن يكون منكرًا ولا بيِّنة لصاحب الحقِّ، قال: ولا يأخذ غير الجنس مع ظفره بالجنس، فإن لم يجد إلَّا غير الجنس جاز الأخذ، وإن أمكن تحصيل الحقِّ بالقاضي بأن كان مُقِرًّا مماطلًا أو منكرًا، وعليه بيِّنةٌ، أو كان يرجو إقراره لو حضر عند القاضي، وعرض عليه اليمين، فهل يستقلُّ بالأخذ أم يجب الرَّفع إلى القاضي؟ فيه للشَّافعيَّة وجهان، أصحُّهما عند أكثرهم: جواز الأخذ، واختلف المالكيَّة، والمُفتَى به عندهم: أنَّه(1) يأخذ بقدر حقِّه إنْ أَمن فتنةً أو نسبةً إلى رذيلةٍ، وقال أبو حنيفة: يأخذ من الذَّهب الذَّهبَ، ومن الفضَّة الفضَّةَ، ومن المكيلِ المكيلَ، ومن الموزون الموزونَ، ولا يأخذ غير ذلك، وفي «سنن أبي داود» من حديث المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلعم : «أيُّما رجلٍ ضاف قومًا فأصبح الضَّيف محرومًا، فإنَّ نصره حقٌّ على كلِّ مسلمٍ حتَّى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله»، ورواه ابن ماجه بلفظ: «ليلة الضَّيف واجبةٌ، فمن أصبح بفنائه فهو دينٌ عليه، فإن شاء اقتضى، وإن شاء ترك»، فظاهره: أنَّه يقتضي ويطالب وينصره المسلمون ليصل إلى حقِّه، لا أنَّه يأخذ ذلك بيده من غير علم أحدٍ.


[1] في (د): «أن».