إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلقت فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه

          2439- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه قال: (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ) بسكون الضَّاد المعجمة، ابن شُمَيلٍ _مُصغَّرًا_ قال: (أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ) بن يونس بن أبي إسحاق (عَنْ) جدِّه (أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السَّبيعيِّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (البَرَاءُ) بن عازبٍ (عَنْ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق ( ☻ ).
          وبه(1) قال: «ح»(2): (وحَدَّثَنَا(3) عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ) الغُدَانيُّ _بضمِّ الغين المعجمة والتَّخفيف_ البصريُّ، وثَّقه غير واحدٍ، قال: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) بن يونس (عَنْ) جدِّه (أَبِي إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله(4) السَّبيعيِّ (عَنِ البَرَاءِ) بن عازبٍ (عَنْ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق‼ ( ☻ ) أنَّه (قَالَ: انْطَلَقْتُ) وفي «علامات النُّبوَّة» [خ¦3615] من طريق زهير بن معاوية: أَسْرَينا ليلتَنا ومن الغد حتَّى قام قائم الظَّهيرة، وخلا الطَّريق لا يمرُّ فيه أحدٌ، فرُفِعتْ لنا صخرةٌ طويلةٌ لها ظلٌّ لم تأتِ عليه الشَّمس، فنَزَلْنا عنده، وسَوَّيتُ للنَّبيِّ صلعم مكانًا بيدي ينام عليه، وبسطتُ فيه فروةً وقلت: نَمْ يا رسول، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام وخرجتُ أنفض ما حوله (فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ، فَقُلْتُ) وسقطت «الفاء» لغير أبي ذرٍّ، وثبتت له / في نسخةٍ (لِمَنْ) ولأبي ذرٍّ: ”ممَّن“ _بالميم بدل اللَّام_ (أَنْتَ؟ قَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ) ولم يُعرَف اسم الرَّاعي، ولا صاحب الغنم، وذكر الحاكم في «الإكليل» ما يدلُّ على أنَّه ابن مسعودٍ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وهو وهمٌ.
          (فَقُلْتُ: هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟) بفتح اللَّام والمُوحَّدة، وحكى عياضٌ: أنَّ في روايةٍ(5): ”لُبَّنٍ“ بضمِّ اللَّام(6) وتشديد المُوحَّدة، جمع لابنٍ، أي: ذوات لبنٍ (فَقَالَ: نَعَمْ) فيها (فَقُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟) قال في «الفتح»: الظَّاهر أنَّ مرادَه بهذا الاستفهام، أي: أمعك إذنٌ في الحلب لمن يمرُّ بك على سبيل الضِّيافة؟ وبهذا يندفع الإشكال، وهو كيف استجاز أبو بكرٍ أخذ اللَّبن من الرَّاعي بغير إذن مالك الغنم، ويحتمل أن يكون أبو بكرٍ لمَّا عرفه عرف رضاه بذلك؛ لصداقته له أو إذنه العامِّ بذلك.
          (قَالَ) الرَّاعي: (نَعَمْ) أحلب لك، قال أبو بكرٍ ☺ : (فَأَمَرْتُهُ، فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ) أي: حبسها، والاعتقال أن يضع رجله بين فخذي الشَّاة ويحلبها (ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ ضَرْعَهَا) أي: ثديها (مِنَ الغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ) من الغبار أيضًا (فَقَالَ) ولأبي الوقت: ”قال“ (هَكَذَا، _ضَرَبَ إِحْدَى كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى_ فَحَلَبَ كُثْبَةً) بضمِّ الكاف وسكون المُثلَّثة وفتح المُوحَّدة، أي: قَدْرَ قَدْحٍ، أو شيئًا قليلًا، أو قَدْرَ حَلْبَةٍ (مِنْ لَبَنٍ، وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم إِدَاوَةً) ركوةً (عَلَى فَمِهَا) بالميم، ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”على فيها“ (خِرْقَةٌ) بالرَّفع (فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ) من الماء الذي في الإداوة (حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ) بفتح(7) الموحَّدة والرَّاء (فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلعم ) زاد في «العلامات»: فوافقته حين استيقظ [خ¦3615] (فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ) الحديث في شأن «الهجرة» [خ¦3908] وقد ساقه بأتمَّ من هذا السِّياق في «العلامات» [خ¦3615] قال ابن المنيِّر: أدخل البخاريُّ هذا الحديث في أبواب «اللُّقطة»؛ لأنَّ اللَّبن إذ ذاك في حكم الضَّائع المُستهلَك، فهو كالسَّوط الذي اغتُفِر التقاطه، وأعلى أحواله أن يكون كالشَّاة المُلتقَطة في المضيعة، وقد قال فيها: «هي لك، أو لأخيك، أو للذِّئب»، وكذا هذا اللَّبن إن لم يُحلَب ضاع، وتعقَّبه في «المصابيح» بأنَّه قد يُمنَع ضياعُه مع وجود الرَّاعي بحفظه، وهذا يقدح في تشبيهه بالشَّاة؛ لأنَّها بمحل مضيعةٍ بخلاف هذا اللَّبن‼. والله الموفِّق والمعين على إتمام هذا الكتاب والنَّفع به والإخلاص فيه(8).


[1] «وبه»: ليس في (م).
[2] «ح»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[3] في (د1) و(م): «حدَّثنا»، وكذا في «اليونينيَّة».
[4] «عمرو بن عبد الله»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[5] في (ص): «روايته».
[6] «اللَّام»: ليست في (د1) و(ص).
[7] زيد في (د1) و(ص): «الباء».
[8] في (د): «منه»، وهو تصحيفٌ.