إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت رسول الله وحانت صلاة العصر فالتمس

          169- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) إمام دار الهجرة (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بن سهلٍ الأنصاريِّ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الأنصاريِّ ☺ (أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ) أي: أبصرت (رَسُولَ اللهِ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”النَّبيَّ“ ( صلعم وَ) الحال أنَّه قد (حَانَتْ) بالمُهمَلَة، أي: قَرُبَتْ (صَلَاةُ العَصْرِ) وهو بالزَّوراء _كما زاده(1) قتادة عند المؤلِّف [خ¦3572]_ سوقٌ بالمدينة (فَالتَمَسَ) أي: طلب (النَّاسُ الوَضُوءَ) بفتح الواو: الماء الذي يُتوضَّأ به (فَلَمْ يَجِدُوهُ) ولغير الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”فلم يجدوا“(2) بغير الضَّمير المنصوب، أي: فلم يصيبوا الماء (فَأُتِيَ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول / (رَسُولُ اللهِ) بالرَّفع مفعولٌ نائبٌ(3) عن الفاعل ( صلعم بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، أي: بإناءٍ فيه ماءٌ؛ ليتوضَّأ به، وفي رواية ابن المُبَارك: فجاء رجلٌ بقدحٍ فيه ماءٌ يسيرٌ، وروى المُهلَّب: أنَّه كان مقدار وضوء رجلٍ واحدٍ (فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ يَدَهُ وَأَمَرَ) ╕ (النَّاسَ أَنْ) أي: بأن (يَتَوَضَّؤُوا) أي: بالتَّوضُّؤ (مِنْهُ) أي: من ذلك الإناء (قَالَ) أنسٌ ☺ : (فَرَأَيْتُ) أي: أبصرت (المَاءَ) حال كونه (يَـنْـبُـَـِعُ) بتثليث المُوحَّدة، أي: يخرج (مِنْ تَحْتِ) وفي روايةٍ: ”يفور من بين“ (أَصَابِعِهِ) فتوضَّؤوا (حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) أي: توضَّأ النَّاس ابتداءً من أوَّلهم حتَّى انتهَوا إلى آخرهم ولم يبقَ منهم أحدٌ، والشَّخص الذي هو آخرهم داخلٌ في هذا الحكم؛ لأنَّ السِّياق يقتضي العموم والمُبالَغَة؛ لأنَّ «عندَ» هنا تُجعَل لمُطلَق الظَّرفيَّة حتَّى تكون بمعنى: «في»، كأنَّه قال: حتَّى توضَّأ الذين هم في آخرهم، وأنسٌ داخل فيهم إذا قلنا: يدخل المُخاطِب _بكسر الطَّاء_ في عموم خطابه، أمرًا أو(4)نهيًا أو خبرًا، وهو مذهب الجمهور، وقال بعضهم: «حتَّى»: حرف ابتداءٍ، مستأنفٌ بعده جملةٌ اسميَّةٌ، أو فعليَّةٌ فعلها ماضٍ نحو: { حَتَّى عَفَواْ }[الأعراف:95] وحتَّى توضَّؤوا، أو مضارعٌ نحو: { حَتَّى يَقُولُ الرَّسُولُ } في قراءة نافعٍ، و«من»: للغاية لا للبيان خلافًا للكِرمانيِّ؛ لأنَّها لا تكون للبيان(5) إلَّا إذا كان فيما قبلَها إبهامٌ، ولا إبهامَ هنا.
          وبقيَّة المباحث تأتي _إن شاء الله تعالى_ في «علامات النُّبوَّة» [خ¦3573] واستُنبِط من هذا الحديث: استحباب التماس الماء لمن كان على غير طهارةٍ، والرَّدُّ على من أنكر المعجزة من المَلَاحِدة، واغتراف المتوضِّئ من الماء القليل. وهو من الرُّباعيَّات، ورجاله ما بين تنيسيٍّ ومدنيٍّ وبصريٍّ، وفيه: التَّحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المصنِّف(6) في «علامات النُّبوَّة» [خ¦3573]، ومسلمٌ في الفضائل(7)، والتِّرمذيُّ في «المناقب»، وقال: حسنٌ صحيحٌ، والنَّسائيُّ في «الطَّهارة»، والله تعالى أعلم.


[1] في (ب) و(س): «رواه».
[2] «فلم يجدوا»: سقط من (د).
[3] في (ص) و(م): «ناب».
[4] في (ص) و(م): «و».
[5] «لأنَّها لا تكون للبيان»: سقط من (م).
[6] في (د): «المؤلف».
[7] «في الفضائل»: سقط من (س).