إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كلكم راع ومسئول عن رعيته

          2409- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ) أبيه (عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ : أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم ) حال كونه (يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَ) كلُّ راعٍ (مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)أصل راعٍ: «راعي» بالياء، فأُعِلَّ إعلال «قاضٍ»، من رعى يرعى، وهو حفظ الشَّيء وحسن التَّعهُّد له، والرَّاعي هو الحافظ المُؤتَمَن الملتزم صلاح ما قام عليه، فكلُّ من كان تحت نظره شيءٌ فهو مطلوبٌ بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلِّقاته، فإن وفى ما عليه من الرِّعاية حصل له الحظُّ الأوفر والجزاء الأكبر، وإن كان غير ذلك طالبه كلُّ أحدٍ(1) من رعيَّته بحقِّه، ثمَّ فصَّل ما أجمله فقال: (فَالإِمَامُ) الأعظم أو نائبه (رَاعٍ) فيما استرعاه الله، فعليه حفظ رعيَّته فيما تعيَّن عليه من حفظ شرائعهم والذَّبِّ عنها، وعدم إهمال(2) حدودهم أو(3) تضييع حقوقهم، وترك حمايتهم ممَّن جار عليهم ومجاهدة عدوِّهم، فلا يتصرَّف فيهم إلَّا بإذن الله ورسوله، ولا يطلب أجره إلَّا من الله (وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ) زوجته وغيرها (رَاعٍ) بالقيام عليهم بالحقِّ في النَّفقة وحسن العِشْرة(4) (وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ) بحسن التَّدبير في أمر بيته والتَّعهُّد لخدمه(5) وأضيافه (وَهْيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ) أي: العبد (فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ) بالقيام بحفظ ما في يده منه وخدمته، وسقط من(6) رواية أبي ذرٍّ قوله «راع» (وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، قَالَ) ابن عمر: (فَسَمِعْتُ هَؤُلَاءِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ(7) رَاعٍ وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) قال الطِّيبيُّ: الفاء في «فكلُّكم» جواب شرطٍ محذوفٍ للفذلكة، وهي التي يأتي بها الحاسب(8) بعد التَّفصيل، ويقول: فذلك(9) كذا وكذا ضبطًا للحساب وتوقِّيًا عن الزِّيادة والنُّقصان فيما فصَّله، وقوله: «كلُّكم راعٍ» تشبيهٌ(10) مُضمَر الأداة، أي: كلُّكم مثل الرَّاعي، «وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته» حالٌ عمل فيه معنى التَّشبيه، وهذا مطَّردٌ‼ في التَّفصيل، ووجه التَّشبيه حفظ الشَّيء وحسن التَّعهُّد لما استُحفِظه، وهو القدر المشترك في التَّفصيل، وفيه: أنَّ الرَّاعيَ ليس مطلوبًا لذاته، وإنَّما أُقيم بحفظ ما استرعاه. انتهى. فمن لم يكن إمامًا ولا أهل له ولا سيِّد ولا أب فرعايته على أصدقائه وأصحاب معاشرته، وإذا كان كلٌّ منَّا راعيًا فَمَنِ الرَّعيَّة؟ أجاب(11) الكِرمانيُّ: أعضاؤه وجوارحه وقواه وحواسُّه، أو الرَّاعي يكون مرعيًّا باعتبارٍ آخر(12) ككونه مرعيًّا للإمام، راعيًا(13) لأهله، أو الخطاب خاصٌّ بأصحاب التَّصرُّفات.
          وهذا الحديث قد سبق في «باب الجمعة في القرى والمدن» من «كتاب الجمعة» [خ¦893].


[1] في (د): «واحدٍ».
[2] في غير (ب) و(س): «أو إهمال»، وتقرب منها عبارة النَّوويِّ في «شرح مسلمٍ» (2/166): «والذَّبِّ عنها لكلِّ متصدٍّ لإدخال داخلةٍ فيها، أو تحريفٍ لمعانيها، أو إهمال حدودهم...»، فلعلَّ ثمَّة سقط.
[3] في (ب) و(س): «و».
[4] في (ب) و(س): «المعاشرة».
[5] في (د): «لخدمته».
[6] في (د1) و(ص): «في».
[7] في (د): «ابنه»، وهو تصحيفٌ.
[8] في (د): «المحاسب».
[9] في غير (ب) و(س): «لك»، وسقط من (م).
[10] في (د1) و(ص) و(م): «يشبه».
[11] في (د): «كما قال».
[12] «آخر»: ليس في (د).
[13] قوله: «فَمَنِ الرَّعيَّة؟ أجاب... مرعيًّا للإمام، راعيًا» سقط من (م).