إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: جد له فأوف له الذي له

          2396- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) بن عبد الله بن المنذر الحزاميُّ _بالزَّاي_ تكلَّم فيه أحمدُ من أجل القرآن، ووثَّقه ابن معينٍ وابن وضَّاحٍ والنَّسائيُّ وأبو حاتمٍ والدَّارقُطنيُّ، واعتمده البخاريُّ، وانتقى من حديثه، وروى له التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وغيرهما، قال: (حَدَّثَنَا أَنَسٌ) هو ابن عياضٍ أبو ضمرة (عَنْ هِشَامٍ) هو ابن عروة بن الزُّبير (عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف، القرشيِّ مولاهم، أبي نعيمٍ المدنيِّ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ( ☻ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ أَبَاهُ) عبد الله (تُوُفِّي وَتَرَكَ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا) من تمرٍ دينًا (لِرَجُلٍ مِنَ اليَهُودِ) هو أبو الشَّحم، رواه الواقديُّ في «المغازي» في قصَّة دين جابرٍ عن إسماعيل بن عطيَّة بن عبد الله السُّلميِّ عن أبيه عن جابرٍ، وكذا ذكره في «المنتقى من تاريخ دمشق» لابن عساكر، وفي رواية فراسٍ عن الشَّعبيِّ في «الوصايا» [خ¦2781]: أنَّ أباه استُشهِد يوم أُحُدٍ وترك ستَّ بناتٍ، وترك عليه دَينًا (فَاسْتَنْظَرَهُ(1) جَابِرٌ) طلب أن يُنْظِره في الدَّين المذكور (فَأَبَى) امتنع (أَنْ يُنْظِرَهُ) من إنظاره (فَكَلَّمَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ صلعم لِيَشْفَعَ لَهُ إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم ، وَكَلَّمَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فكلَّم“ (اليَهُودِيَّ لِيَأْخُذَ ثَمَرَ نَخْلِهِ(2)) بالمثلَّثة وفتح الميم (بِالَّذِي لَهُ) من الدَّين، ولأبي(3) ذرٍّ عن الحَمُّويي والكُشْمِيْهَنِيِّ: ”بالَّتي“ أي: بالأوسق الَّتي له (فَأَبَى) اليهوديُّ (فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم النَّخْلَ، فَمَشَى فِيهَا) وفي الباب السَّابق [خ¦2395]: فطاف في النَّخل ودعا في ثمرتها بالبركة (ثُمَّ قَالَ لِجَابِرٍ: جُدَّ) أي: اقطع (لَهُ، فَأَوْفِ لَهُ الَّذِي لَهُ) بفتح همزة «فأَوفِ» (فَجَدَّهُ) أي: قَطَعَه جابرٌ (بَعْدَمَا رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم ، فَأَوْفَاهُ ثَلَاثِينَ وَسْقًا) التي كانت له في ذمَّة أبيه (وَفَضَلَتْ لَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَسْقًا) بالموحَّدة بعد السِّين المهملة، وضاد «فضَلت» مفتوحةٌ في الفرع‼، وبالكسر ضبطها البرماويُّ، وفي «علامات النُّبوَّة» [خ¦3580]: فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم، وجُمع بينهما بالحمل على تعدُّد الغرماء، فكأنَّ أصل الدَّين كان منه ليهوديٍّ ثلاثون وَسْقًا من صنفٍ واحدٍ فأوفاه، وفَضَل من ذلك البيدر سبعة عشر وَسْقًا، وكان منه لغير ذلك اليهوديِّ أشياء أُخَر من أصنافٍ أخرى فأوفاهم، وفَضَل من المجموع قدر الذي أوفاه(4)، ويؤيِّده قوله في رواية نبيحٍ / العَنَزِيِّ عن جابرٍ عند الإمام أحمد: فكِلت لهم من العجوة فأوفاهم الله، وفضل لنا من التَّمر كذا وكذا، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيدٌ لذلك في «باب علامات النُّبوَّة» [خ¦3580] بعون الله وقوَّته (فَجَاءَ جَابِرٌ رَسُولَ اللهِ صلعم لِيُخْبِرَهُ بِالَّذِي كَانَ) من البركة، وفَضَل من التَّمر بعد قضاء الدَّين (فَوَجَدَهُ يُصَلِّي العَصْرَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُ بِالفَضْلِ، فَقَالَ) ╕ له: (أَخْبِرْ ذَلِكَ) الذي ذكرته من الفضل (ابْنَ الخَطَّابِ) عُمَرَ ☺ ، ولأبي ذرٍّ: ”ذاك“ بإسقاط اللَّام (فَذَهَبَ جَابِرٌ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ) بذلك (فَقَالَ لَهُ) أي: لجابرٍ (عُمَرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ حِينَ مَشَى فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلعم لَيُبَارَكَنَّ فِيهَا) بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الرَّاء مبنيًّا للمفعول، مؤكَّدًا بالنُّون الثَّقيلة، قيل: وخَصَّ عمر بذلك لكونه(5) كان مهتمًّا بقصَّة جابرٍ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الصُّلح» [خ¦2709] وأبو داود في «الوصايا»، وكذا النَّسائيُّ، وأخرجه ابن ماجه في «الأحكام».


[1] في (ص): «فانتظره»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (د1): «النَّخلة»، وفي (م): «النَّخل»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] في (ب): «لأبوي»، وهو خطأٌ.
[4] في (د): «وفَّاه».
[5] في (ب) و(س): «لأنَّه».