إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما أحب أنه يحول لي ذهبًا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث

          2388- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ بالإفراد (أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) بن عبد الله التَّميميُّ اليربوعيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ) عبد ربِّه الحنَّاط _بالحاء المهملة والنُّون المُشدَّدة_ المعروف بالأصغر(1) (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران (عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ) الهمدانيِّ الجهنيِّ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ) جندب بن جنادة ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَلَمَّا أَبْصَرَ _يَعْنِي: أُحُدًا_) الجبل المشهور (قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنَّهُ) أي: أنَّ أُحُدًا (تحَوَّل لِي ذَهَبًا) بفتح المُثنَّاة الفوقيَّة، كـ «تفعَّل»، ولغير أبي ذرٍّ: ”يُحوَّل“ بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة مبنيًّا للمفعول، من «باب التَّفعيل»(2)، وفيه «حوَّل» بمعنى: صيَّر، قال في «التَّوضيح»: وهو استعمالٌ صحيحٌ، وقد خفي على أكثر النَّحويِّين حتَّى أنكر بعضهم على الحريريِّ قوله في الخمر:
وما شيءٌ إذا فَسَدا                     تَحَوَّل غيُّه(3) رشَدا
زكيُّ العِرْقِ(4) والدُه                     ولكنْ بئسَ ما ولَدا
          وحينئذٍ فيستدعي(5) مفعولين، قال: والرِّواية لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، فرفعت أوَّل المفعولين، وهو الضَّمير في «تحوَّل»(6) الرَّاجع إلى «أُحُدٍ»، ونصبت الثَّاني خبرًا لها، وهو «ذهبًا» (يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ) أي: من الذَّهب (دِينَارٌ) رفع فاعل «يمكث»، والجملة في محلِّ نصبٍ صفةٌ لـ «ذهبًا» (فَوْقَ ثَلَاثٍ) من اللَّيالي (إِلَّا دِينَارًا) نُصِب على الاستثناء من سابقه‼، ولأبي ذرٍّ: ”إلَّا دينارٌ“ بالرَّفع على البدل من «دينارٌ» السَّابق (أُرْصِدُهُ) بضمِّ الهمزة وكسر الصَّاد المهملة(7)، من الإرصاد، أي: أعدُّه (لِدَيْنٍ) والجملة في محلِّ نصبٍ صفةٌ لـ «دينارٍ»، وفي نسخةٍ بالفرع، وحكاها السَّفاقسيُّ وابن قُرْقُولٍ: ”أَرصده“ بفتح الهمزة، من رصدته، أي: رقبته. (ثُمَّ قَالَ) ╕ : (إِنَّ الأَكْثَرِينَ) مالًا (هُمُ الأَقَلُّونَ) ثوابًا (إِلَّا مَنْ قَالَ بِالمَالِ) أي: إلَّا من صرف المال على النَّاس في وجوه البرِّ والصَّدقة (هَكَذَا وَهَكَذَا، وَأَشَارَ أَبُو شِهَابٍ) عبد ربِّه المذكور (بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ) وفيه التَّعبير عن الفعل بالقول، نحو(8) قولهم: قال بيده، أي: أخذ أو رفع، وقال برجله، أي: مشى (وَقَلِيلٌ(9) مَا هُمْ) جملةٌ اسميَّةٌ، فـ «هم» مبتدأٌ مُؤخَّرٌ، و«قليلٌ» خبره، و«ما» زائدةٌ أو صفةٌ (وَقَالَ) ╕ : (مَكَانَكَ) بالنَّصب، أي: الزم مكانك حتَّى آتيك (وَتَقَدَّمَ غَيْرَ بَعِيدٍ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا، فَأَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ) ╕ (ثُمَّ ذَكَرْتُ قَوْلَهُ): الزم (مَكَانَكَ حَتَّى آتِيَكَ، فَلَمَّا جَاءَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ) ما هو (الَّذِي سَمِعْتُ؟ أَوْ قَالَ): ما هو (الصَّوْتُ الَّذِي سَمِعْتُ؟) شكٌّ من الرَّاوي (قَالَ) صلعم : (وَهَلْ سَمِعْتَ؟) استفهامٌ على سبيل الاستخبار(10) (قُلْتُ: نَعَمْ) سمعت(11) (قَالَ) ╕ : (أَتَانِي جِبْرِيلُ ◙ فَقَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: وَإِنْ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”ومن“ (فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟) أي: وإن زنى وإن(12) سرق، كما جاء في «الرِّقاق» [خ¦6444] مُفسَّرًا (قَالَ: نَعَمْ).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «إلَّا دينارًا أرصده لدينٍ» من حيث إنَّ فيه ما يدلُّ على الاهتمام بأداء الدَّين، وفيه رواية التَّابعيِّ عن التَّابعيِّ عن الصَّحابيِّ، وأخرجه أيضًا في «الاستئذان» [خ¦6268] و«الرِّقاق» [خ¦6444] و«بدء الخلق» [خ¦3222]، ومسلمٌ في «الزَّكاة»، والتِّرمذيُّ في «الإيمان»، والنَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


[1] في (ب): «بالأصفر».
[2] في (م): «التَّفعلل»، وهو تحريفٌ.
[3] في (ب): «فيه»، وهو تحريفٌ.
[4] في (د) و(د1): «العروق»، وهو تحريفٌ.
[5] في (ب) و(س): «فتستدعي».
[6] في (ص) و(م): «يُحوَّل».
[7] «المهملة»: مثبتٌ من (د1).
[8] في (ص): «عن».
[9] في (م): «قال: قليلٌ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[10] في (ص): «الإخبار».
[11] في (د): «سمعته».
[12] «إنْ»: ليس في (ص) و(م).