إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الخيل لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر

          2371- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) الإمام (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) العدويِّ، مولى عمر المدنيِّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: الخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أي: ثوابٌ (وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ) أي: ساترٌ لفقره ولحاله (وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ) أي: إثمٌ، ووجه الحصر في هذه أنَّ الذي يقتني الخيل، إمَّا أن يقتنيها للرُّكوب، أو للتِّجارة، وكلٌّ منهما إمَّا أن يقترن به فعل طاعة الله _وهو الأوَّل_ أو معصيته _وهو الأخير_ أو يتجرَّد عن ذلك _وهو الثَّاني_ (فَأَمَّا) الأوَّل (الَّذِي) هي (لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي: أعدَّها للجهاد (فَأَطَالَ(1) بِهَا) ولأبي ذرٍّ: ”لها“ باللَّام بدل المُوحَّدة (فِي مَرْجٍ) بفتح الميم وبعد الرَّاء السَّاكنة جيمٌ: أرضٍ‼ واسعةٍ فيها كلأٌ كثيرٌ (أَوْ رَوْضَةٍ) شكٌّ من الرَّاوي (فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ) بكسر الطَّاء المهملة وبعد التَّحتيَّة المفتوحة لامٌ: الحبل الذي يُربَط به ويُطوَّل لها لترعى، ويُقال: طوَل بالواو المفتوحة بدل الياء (مِنَ المَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ) أي: لصاحبها، ولأبي ذرٍّ: ”كان لها“ (حَسَنَاتٍ) بالنَّصب (وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ) بفتح الفوقيَّة وتشديد النُّون، أي: عَدَتْ بمرجٍ(2) ونشاطٍ، أي(3): رفعت يديها وطرحتهما معًا (شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ) بالشِّين المعجمة والرَّاء(4) المفتوحتين(5) والفاء فيهما، أي: شوطًا أو شوطين، وسُمِّي به؛ لأنَّ الغازي يشرف على / ما يتوجَّه إليه، وقال في «المصابيح» كـ «التَّنقيح»: الشَّرف العالي من الأرض (كَانَتْ آثَارُهَا) في الأرض بحوافرها عند خطواتها (وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ) أي: لصاحبها (وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَـْرٍ) بفتح الهاء وسكونها، لغتان فصيحتان (فَشَرِبَتْ مِنْهُ) من غير قصدٍ من صاحبها (وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ) بحذف ضمير المفعول (كَانَ ذَلِكَ) أي: شرابها وعدم(6) إرادته أن يسقيها (حَسَنَاتٍ لَهُ، فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ) لرابطها، وهذا موضع التَّرجمة (وَ) الثَّاني الذي هي له سترٌ: (رَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا) بفتح الفوقيَّة والغين المعجمة وكسر النُّون المُشدَّدة، أي: استغناءً عن النَّاس يطلب نتاجها (وَتَعَفُّفًا) عن سؤالهم فيتَّجر فيها، أو يتردَّد عليها متاجرةً أو مزارعةً (ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ) المفروض (فِي رِقَابِهَا) فيؤدِّي زكاة تجارتها (وَلَا(7)) في (ظُهُورِهَا) فيركب عليها في سبيل الله، أو لا يحمِّلها ما لا تطيقه (فَهِيَ لِذَلِكَ) المذكور (سِتْرٌ) لصاحبها، أي: ساترةٌ لفقره ولحاله (وَ) الثَّالث الذي هي له وزرٌ: (رَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا) نُصِب للتَّعليل، أي: لأجل الفخر، أي: تعاظمًا (وَرِيَاءً) أي: إظهارًا للطَّاعة، والباطن بخلاف ذلك (وَنِوَاءً) بكسر النُّون وفتح الواو، ممدودًا، أي: عداوةً (لأَهْلِ الإِسْلَامِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ) الرَّجل (وِزْرٌ) إثمٌ. (وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَنِ الحُمُرِ) أي: عن صدقتها، كما(8) قال الخطَّابيُّ، والسَّائل هو صعصعة بن ناجية جدُّ الفرزدق (فَقَالَ) ╕ : (مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ) منصوصٌ (إِلَّا هَذِهِ الآيَةُ الجَامِعَةُ) أي: العامَّة الشَّاملة (الفَاذَّةُ) بالذَّال المعجمة المُشدَّدة، أي(9): القليلة المثل المنفردة في معناها، فإنَّها تقتضي أنَّ من أحسن إلى الحُمُر رأى إحسانه في الآخرة، ومن أساء إليها وكلَّفها فوق(10) طاقتها رأى إساءته لها في الآخرة: ({فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[الزلزلة:7-8]) والذَّرَّة: النَّملة الصَّغيرة، وقيل: الذَّرُّ ما يُرَى في شعاع الشَّمس من الهباء، وقال الزَّركشيُّ: وهو _أي: قوله(11): «الجامعة»(12)_ حجَّةٌ لمن قال بالعموم في «من» وهو مذهب الجمهور، قال في «المصابيح»: وهو حجَّةٌ أيضًا في عموم النَّكرة الواقعة في سياق الشَّرط، نحو: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ}[فصلت:46].
          وهذا‼ الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الجهاد» [خ¦2860] وفي «علامات النُّبوَّة» [خ¦3646] و«التَّفسير» [خ¦4962] و«الاعتصام» [خ¦7356]، ومسلمٌ في «الزَّكاة»، والنَّسائيُّ في «الخيل»(13).


[1] في (م): «وأطال».
[2] في غير (د): «بمرحٍ».
[3] في (د): «أو».
[4] «والرَّاء»: سقط من (د) و(س) و(م).
[5] في (ب) و(س): «المفتوحة».
[6] «عدم»: ليس في (د).
[7] «لا»: ليس في (م).
[8] «كما»: ليس في (د).
[9] «أي»: ليس في (د).
[10] في (د): «غير».
[11] في (د): «قول».
[12] في (د): «الجماعة»، وهو تحريفٌ.
[13] في (د): «الحيل»، وهو تصحيفٌ.