إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين

          164- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ (قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالتَّوحيد (عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ) مِنَ الزِّيادة (عَنْ حُمْرَانَ) بضمِّ المُهمَلَة (مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ) زاد الأَصيليُّ وأبو ذَرٍّ: ”بن عفَّان“ (دَعَا بِوَضُوءٍ) بفتح الواو، وفي «باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا» [خ¦159]: دعا بإناءٍ فيه ماءٌ للوضوء (فَأَفْرَغَ) أي: فصبَّ (عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إِنَائِهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أي(1): قبل أن يدخلهما(2) الإناء، وفي السَّابقة [خ¦159]: فأفرغ على كفَّيه ثلاثَ مرارٍ (ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الوَضُوءِ) بفتح الواو، فأخذ منه (ثُمَّ تَمَضْمَضَ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”ثمَّ مضمض“ (وَاسْتَنْشَقَ) بأن جذب الماء بريح أنفه (وَاسْتَنْثَرَ) بأن أخرجه به، وفي السَّابقة [خ¦159]: ثمَّ أدخل يمينه في الإناء فمضمض واستنثر، والمضمضة: وضع الماء في الفم وإدارته‼ بالإصبع أو بقوَّة الفم ثمَّ مجُّه، لكن المشهور عند الشَّافعيَّة: أنَّه لا يُشتَرط تحريكه ولا مجُّه، وإذا كان بالإصبع فاستحبَّ بعضهم أن يكون باليمين لأنَّ الشِّمال مسَّتِ الأذى، وإذا(3) كان في الفم درهمٌ أداره ليصل الماء إلى محلِّه، وفي رواية أبي داود وابن المنذر: فتمضمض(4) ثلاثًا واستنثر ثلاثًا، وتقديم المضمضة على الاستنشاق مُستحَقٌّ لاختلاف العضوين، وقِيلَ: مُستحَبٌّ كتقديم اليمين، قال في «الفتح»: واتَّفقتِ الرِّوايات على تقديم المضمضة على الاستنشاق، وهما سُنَّتان في الوضوء والغسل، وأوجبهما أحمد، والأفضل في كيفيَّتهما: أن يفصل بينهما في أظهر القولين عند الرَّافعيِّ، وعلى هذا: فالأصحُّ _ونُصَّ عليه في «البويطيِّ»_ الفصل بغرفتين يتمضمض(5) بغَرفةٍ ثلاثًا، ثمَّ يستنشق بأخرى ثلاثًا، وقِيلَ: بستِّ غَرفاتٍ إلحاقًا بسائر الأعضاء، وقصدًا للنَّظافة(6)، والقول الثَّاني: أنَّ الجمع أفضل، وعلى هذا: فالأَوْلى أن يجمع بثلاث غرفاتٍ يتمضمض من كلِّ واحدةٍ ثمَّ يستنشق، وهو الأصحُّ عند النَّوويِّ، وقِيلَ: يجمع بغَرفةٍ واحدةٍ، حكاه في «الكفاية» عن نصِّه في «الأمِّ»، وعلى هذا: يتمضمض منها ثلاثًا ثم يستنشق كذلك، وقِيلَ: يتمضمض منها ثمَّ يستنشق، ثمَّ يفعل كذلك ثانيًا وثالثًا، واستدلَّ بعضهم بقوله: «ثمَّ أدخل يمينه» على عدم اشتراط نيَّة الاغتراف، ولا دلالة فيه نفيًا ولا إثباتًا (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ) غسلًا (ثَلَاثًا، وَ) غسل (يَدَيْهِ) كلَّ واحدةٍ (إِلَى) أي: مع (المِرْفَقَيْنِ) غسلًا (ثَلَاثًا) وفي السَّابقة [خ¦159]: ثلاث مرَّاتٍ (ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) زاد في رواية أبي داود وابن خزيمة في «صحيحه»: ثلاثًا (ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ) غسلًا (ثَلَاثًا) كذا للكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ، وفي رواية المُستملي والحَمُّويي: ”كلَّ رجله“ وهي تفيد تعميم(7) كلِّ رِجلٍ بالغسل، وفي رواية أبي ذَرٍّ(8) عنِ الحَمُّويي والمُستملي: ”كلَّ رجليه“ بالتَّثنية. قال في «الفتح»: وهي بمعنى الأولى، أي / : رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ والأَصيليِّ، وفي رواية ابن عساكر: ”كلتا رجليه“ وهي التي اعتمدها في «عمدة الأحكام» (ثُمَّ قَالَ) ☺ : (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يَتَوَضَّأُ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، وَقَالَ(9)) وفي روايةٍ: ”ثمَّ قال“: (مَنْ تَوَضَّأَ) وضوءًا (نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا) وفي «الرِّقاق» عند المؤلِّف [خ¦6433]: مثل وضوئي هذا (وصَلَّى) وفي روايةٍ: ”ثمَّ صلَّى“ (رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ) بشيءٍ أصلًا، كذا نقله القاضي عياضٌ عن بعضهم، ويشهد له ما أخرجه ابن المُبارَك في «الزُّهد» بلفظ: «لم يسرَّ فيهما»، وردَّه النَّوويُّ، فقال: الصَّواب: حصول هذه الفضيلة مع طريان الخواطر العارضة غير المستقرَّة (غَفَرَ اللهُ لَهُ) وفي رواية غير المُستملي: ”غُفِرَ له“ مبنيًّا للمفعول (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) من الصَّغائر، وفي الرِّواية السَّابقة في «باب(10) الوضوء ثلاثًا ثلاثًا» [خ¦159]: ثمَّ غسل رجليه ثلاث مرَّاتٍ(11) إلى الكعبين، ثمَّ قال: قال رسول الله صلعم : «من توضَّأ نحو وضوئي هذا...» إلى آخره، فوقع في الحديث المسوق هنا رفع صفة الوضوء إلى فعله صلعم ، وهذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه» و«مُسنَده» معًا بلفظ(12): حدَّثنا خالد بن مخلدٍ(13) قال: حدَّثنا إسحاق بن حازمٍ قال: سمعت محمَّد بن كعب القُرَظِيَّ يقول: حدَّثني‼ حُمْرانُ بن أبانَ مولى عثمان قال: دعا عثمان بن عفَّان ☺ بوضوءٍ في ليلةٍ باردةٍ، وهو يريد الخروج إلى الصَّلاة، فجئته بماءٍ، فأكثر ترداد(14) الماء على وجهه ويديه، فقلت: حسبك، قد(15) أسبغتَ الوضوءَ واللَّيلةُ شديدةُ البرد، فقال: صُبَّ، فإنِّي سمعت رسول الله صلعم يقول: «لا يسبغ عبدٌ الوضوء إلَّا غفر الله(16) له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر»، قال الحافظ ابن حجرٍ: وأصل هذا الحديث في «الصَّحيحين» من أوجهٍ، وليس في شيءٍ منها زيادة: «وما تأخَّر»، وأخرجه أيضًا الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن عليِّ بن سعيدٍ المروزيُّ شيخ النَّسائيِّ في «مُسنَد عثمان» له، وتابع ابن أبي شيبة جماعةٌ منهم: محمَّد بن سعيد بن يزيد التُّستَريُّ(17)، أخرجه عنه عبد الرَّزَّاق، وسقط لفظ «نفسه» لابن عساكر عن الكُشْمِيْهَنِيِّ(18).


[1] «أي»: سقط من (ص).
[2] في (م): «يدخلها».
[3] في (د): «وإن».
[4] في غير (ص) و(م): «فمضمض».
[5] في غير (ب) و(س): «يمضمض».
[6] في (ب) و(ص): «قصد النَّظافة».
[7] في (م): «تقسيم»، وهو تحريفٌ.
[8] زيد في (ص): «و»، وليس بصحيحٍ.
[9] «وقال»: سقط من (ص).
[10] في (ج): «بباب».
[11] قوله: «ثمَّ غسل رجليه ثلاث مرَّاتٍ» سقط من (د).
[12] «بلفظ»: مثبتٌ من (س).
[13] قوله: «إلى فعله صلعم، وهذا... حدَّثنا خالد بن مخلدٍ» سقط من (ص).
[14] في (د): «تردُّد».
[15] في (ب) و(س): «فقد».
[16] اسم الجلالة ليس في (ص).
[17] في (د): «الدَّستوائيُّ»، وليس بصحيحٍ.
[18] قوله: «وسقط لفظ: نفسه لابن عساكر عن الكُشْمِيْهَنِيِّ» سقط م (د).