إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع

          2348- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ) بكسر السِّين المهملة وتخفيف النُّون وبعد الألف نونٌ أخرى(1)، قال: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ) بضمِّ الفاء وفتح اللَّام وبعد التَّحتيَّة السَّاكنة حاءٌ مُهمَلةٌ، ابن سليمان قال: (حَدَّثَنَا هِلَالٌ) هو ابن عليٍّ المعروف بابن أسامة. قال المؤلِّف بالسَّند «ح»(2): (وحَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثني“ (عَبْدُ(3) اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المُسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ) عبد الملك(4) بن عمرو بن قيسٍ العقديُّ / قال: (حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ) هو ابن سليمان (عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بالتَّحتيَّة والمهملة المُخفَّفة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ) أصحابه (وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَادِيَةِ) لم يُسَمَّ، والواو للحال: (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ) بفتح همزة «أنَّ» لأنَّه في موضع المفعول (اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ) ╡، أي: يستأذن ربَّه، فأخبر عن الأمر المُحقَّق الآتي بلفظ الماضي (فِي) أن يباشر (الزَّرْعِ) يعني: سأله تعالى أن يزرع (فَقَالَ) ربُّه تعالى (لَهُ: أَلَسْتَ) وفي رواية محمَّد بن سنانٍ [خ¦7519]: «أولست» بزيادة واو استفهامٍ تقريريٍّ، يعني: أولست كائنًا (فِيمَا شِئْتَ) من المشتهيات؟ (قَالَ: بَلَى) الأمر كذلك (وَلَكِنِّي) بالياء بعد النُّون، ولأبي ذرٍّ: ”ولكن“ (أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ) فأذن له (قَالَ(5): فَبَذَرَ) بالذَّال المعجمة، أي: ألقى البذر على(6) أرض الجنَّة (فَبَادَرَ) بالدَّال المهملة، وفي رواية محمَّد بن سنانٍ: «فأسرع وبذر فبادر» (الطَّرْفَ) بفتح الطَّاء وسكون الرَّاء، نُصِب على المفعوليَّة لقوله: (نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ) من الحصد، وهو قلع الزَّرع (فَكَانَ أَمْثَالَ الجِبَالِ) يعني: أنَّه لمَّا بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزَّرع ونَجَازِ أمرِه كلِّه من الحصد والتَّذرية والجمع إلَّا كلمح(7) البصر، وكأنَّ كلَّ حبَّةٍ منه مثلُ الجبل، وفيه: أنَّ الله تعالى أغنى أهل الجنَّة فيها عن تعب الدُّنيا ونصبها (فَيَقُولُ اللهُ تَعالَى: دُونَكَ) بالنَّصب على الإغراء، أي: خذه (يَا ابْنَ آدَمَ، فَإِنَّهُ) أي: فإنَّ الشَّأن (لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ) أي: ذلك الرَّجل الذي من أهل البادية: (وَاللهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ) أي: قريشًا والأنصار (أَصْحَابُ زَرْعٍ، وَأَمَّا نَحْنُ) أي: أهل(8) البادية (فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلعم ) فإن قلت: ما وجه إدخال هذا الحديث هنا؟ أجاب ابن المنيِّر(9): للتَّنبيه(10)‼على أنَّ أحاديث المنع من الكراء إنَّما جاءت على النَّدب لا على الإيجاب؛ لأنَّ العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أشدَّ الحرص ألَّا يُمنَع من الاستمتاع به، وبقاء حرص هذا الحريص من أهل الجنَّة على الزَّرع، وطلب الانتفاع به حتَّى في الجنَّة دليلٌ على أنَّه مات على ذلك؛ لأنَّ المرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعَث على ما مات عليه(11)، فدلَّ ذلك على أنَّ آخر عهدهم من الدُّنيا جواز الانتفاع بالأرض واستثمارها(12)، ولو كان كراؤها مُحرَّمًا عليه لفطم نفسه عن الحرص عليها حتَّى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثُّبوت. انتهى.
          وهذا الحديث هو لفظ الإسناد الثَّاني، ومتن السَّند الأوَّل يأتي في «التَّوحيد» [خ¦7519] إن شاء الله تعالى.


[1] زيد في (د) و(ص): «وبه».
[2] «ح»: ليس في (د) و(د1) و(م).
[3] في (م): «عبيد»، وهو تحريفٌ.
[4] في (م): «عبد الله»، وليس بصحيحٍ.
[5] «قال»: مثبتٌ من (ب) و(س)، وكذا في «اليونينيَّة».
[6] في (م): «في».
[7] في (د1) و(ص) و(م): «كلمحة».
[8] في (د): «أصحاب».
[9] زيد في (ب): «أنَّه».
[10] في (د) و(ص) و(م): «التَّنبيه».
[11] قوله: «على ذلك؛ لأنَّ المرء... على ما مات عليه»: ليس في (د).
[12] في (د) و(م): «واستئجارها».