إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي

          2346- 2347- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ) بفتح العين، ابن فرَّوخٍ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) واسمه: فرَّوخٌ مولى المنكدر بن عبد الله (عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ) بالحاء المهملة والظَّاء المعجمة، الزُّرقيِّ الأنصاريِّ (عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمَّايَ) أحدهما ظُهَير بن رافعٍ المذكور قريبًا [خ¦2339] وسمَّى الآخرَ بعضُ من صنَّف في «المبهمات»: مُظَهِّرًا، بميمٍ مضمومةٍ وظاءٍ معجمةٍ مفتوحةٍ وهاءٍ مُشدَّدةٍ مكسورةٍ وراءٍ، كما ضبطه عبد الغنيِّ وابن ماكولا، وقال الكلاباذيُّ: لم أقف على اسمه، وقيل: اسمه مُهَيرٌ، بوزن أخيه ظُهَيرٍ، مُصغَّرًا، فعند أبي(1) عليِّ بن(2) السَّكن من طريق سعيد بن أبي عَروبة(3)، عن يعلى بن حكيمٍ، عن سليمان بن يسارٍ، عن رافع بن خديجٍ: أنَّ بعض عمومته، قال سعيدٌ: زعم قتادة أنَّ اسمه مُهَيرٌ... فذكر الحديث، قال(4) في «الفتح»: فهذا أَوْلى أن يُعتَمد (أَنَّهُمْ) أي: الصَّحابة (كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلعم بِمَا يَنْبُتُ) فيها (عَلَى الأَرْبِعَاءِ) جمع ربيعٍ، وهو(5) النَّهر الصَّغير (أَوْ شَيْءٍ) ولأبي ذرٍّ: ”أو بشيءٍ“ بمُوحَّدةٍ، كالثُّلث أو الرُّبع (يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ) من المزروع لأجله (فَنَهَى النَّبِيُّ صلعم عَنْ ذَلِكَ) لما فيه من الجهل، قال حنظلة بن قيسٍ: (فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ) أي: كيف حكمها (بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ) بطريق الاجتهاد: (لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ) أو علم ذلك بطريق التَّنصيص على جوازه، أو علم أنَّ جواز الكراء بالدِّينار والدِّرهم غير داخلٍ في النَّهي عن كراء الأرض بجزءٍ ممَّا يخرج(6) منها، وقد أخرج أبو داود والنَّسائيُّ بإسنادٍ صحيحٍ من طريق سعيد ابن المُسيَّب عن رافع بن خديجٍ قال: نهى رسول الله صلعم عن المُحاقَلة والمُزابَنة وقال: إنَّما يزرع ثلاثةٌ: رجلٌ له أرضٌ، ورجلٌ مُنِحَ أرضًا(7)، ورجلٌ اكترى(8) أرضًا بذهبٍ أو فضَّةٍ. وهو يرجِّح أنَّ ما قاله رافعٌ مرفوعٌ، لكن بيَّن النَّسائيُّ من وجهٍ آخر: أنَّ المرفوع منه النَّهيُ عن المحاقلة والمزابنة، وأنَّ بقيَّته مُدرَجةٌ من كلام سعيد بن المُسيَّب.
          (وَقَالَ اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام، ممَّا هو موصولٌ بالسَّند المذكور، ولأبي ذرٍّ: ”قال أبو عبد الله“ ، أي: البخاريُّ من ههنا(9):”قال اللَّيث: أُراه“ بضمِّ الهمزة، أي: أظنُّ شيخي ربيعة المذكور (وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ) بضمِّ النُّون وكسر الهاء (عَنْ) ولأبوي ذرٍّ والوقت: ”من“ (ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الفَهْمِ بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ) وفي رواية النَّسفيِّ وابن شبُّويه: ”ذو الفهم بالحلال والحرام لم يُجزِه“ بالإفراد فيهما (لِمَا فِيهِ مِنَ المُخَاطَرَةِ) وهي الإشراف على الهلاك، وهذا موافقٌ لما عليه الجمهور من حمل النَّهي عن كراء الأرض‼ على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة، لا عن كرائها مطلقًا بالذَّهب والفضَّة، وقد سقطت هذه المقالة المذكورة عن اللَّيث جميعها عند النَّسفيِّ وابن شبُّويه فيما قاله الحافظ ابن حجرٍ، فتكون مُدرَجةً عندهما في نفس الحديث، ولم يذكر النَّسائيُّ(10) ولا الإسماعيليُّ في روايتهما لهذا الحديث من طريق اللَّيث هذه الزِّيادة، قال التُّوربشتيُّ: لم يظهر لي(11) هذه الزِّيادة من الرُّواة أم من قول البخاريِّ، وقال البيضاويُّ: الظَّاهر من السِّياق أنَّها من كلام رافعٍ. انتهى. قال الحافظ ابن حجرٍ: وقد تبيَّن برواية أكثر الطُّرق في «البخاريِّ» أنَّها من كلام اللَّيث.
          وفي هذا الحديث رواية تابعيٍّ عن تابعيٍّ، وهما ربيعة وحنظلة، ورواية صحابيٍّ عن صحابيَّين(12).


[1] «أبي»: سقط من (د).
[2] زيد في النُّسخ: «أبي»، ولا يصحُّ.
[3] في (ج) و(ل): «ابن عَروبة».
[4] في (م): «قاله»، وكلاهما صحيحٌ.
[5] «جمع ربيعٍ؛ وهو»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[6] «ممَّا يخرج»: ليس في (د).
[7] «أرضًا»: ليس في (د1) و(ص).
[8] في (ص) و(م): «أكرى».
[9] في (د): «هنا».
[10] في (د): «البنانيُّ»، ولعلَّه تحريفٌ.
[11] زيد في غير (د): «هل».
[12] في (د): «صحابيٍّ».