إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من توضأ فليستنثر ومن استجمر فليوتر

          161- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) اسمه: عبد الله بن عثمان المروزيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) أي: ابن المُبارَك (قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمِ بن شهابٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالتَّوحيد (أَبُو إِدْرِيسَ) عائذ الله _بالهمزة والذَّال المُعجَمَة_ ابن عبد الله الخولانيُّ _بالمُعجَمَة_ التَّابعيُّ الجليل، قاضي دمشق لمعاوية، المُتوفَّى سنة ثمانين (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ) وفي رواية أبوي ذَرٍّ والوقت عنِ المُستملي: ”أنَّه قال“: (مَنْ تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ) بأن يُخرِج ما في أنفه من أذًى بعد الاستنشاق لِما فيه من تنقية مجرى النَّفَس الذي به تلاوة القرآن، وبإزالة ما فيه من الثُّفْل تصحُّ مجاري الحروف، وفيه طرد الشَّيطان لِما(1) عند المؤلِّف ⌂ في «بدء الخلق» [خ¦3295]: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضَّأ(2) فليستنثر ثلاثًا، فإنَّ الشَّيطان يبيت على خيشومه» والخيشوم: أعلى الأنف، ونوم الشَّيطان عليه حقيقةٌ أو هو على الاستعارة لأنَّ ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارةٌ توافق الشَّياطين(3)، فهو على عادة العرب في نسبتهم المُستخبَث والمُستبشَع(4) إلى الشَّيطان، أو ذلك عبارةٌ عن تكسيله عن القيام إلى الصَّلاة، ولا مانع من حمله على الحقيقة، وهل مبيته لعموم النَّائمين أو مخصوصٌ بمن لم يفعل ما يحترس به(5) في منامه كقراءة آية «الكرسيِّ»؟ وظاهر الأمر فيه: للوجوب، فيلزم من قال بوجوب الاستنشاق لورود الأمر به _كأحمد وإسحاق وغيرهما_ أن يقول به في الاستنثار، وظاهر كلام صاحب «المغني» من الحنابلة أنَّهم يقولون بذلك، وأنَّ مشروعيَّة الاستنشاق لا تحصل إلَّا بالاستنثار، وقول العينيِّ: إنَّ الإجماع قائمٌ على عدم وجوبه، يردُّه تصريح ابن بطَّالٍ بأنَّ بعض العلماء قال بوجوبه، وقال الجمهور: إنَّ الأمر فيه للنَّدب مستدلِّين له بما أخرجه التِّرمذيُّ وحسَّنه، والحاكم وصحَّحه من قوله صلعم للأعرابيِّ: «من توضَّأ كما أمر الله...» فأحال(6) على الآية، وليس فيها ذكر الاستنشاق (وَمَنِ اسْتَجْمَرَ)‼ أي: مسح محلِّ النَّجو بالجمار، وهي الأحجار الصِّغار (فَلْيُوتِرْ) وحمله بعضهم على استعمال البَخور، فإنَّه يُقال: تجمَّر واستجمر، أي: فلْيأخذ ثلاث قطعٍ من الطِّيب ويتطيَّب ثلاثًا أو أكثر وترًا، حكاه ابن حبيبٍ عن ابن عمرَ، ولا يصحُّ، وكذا حكاه ابن عبد البرِّ عن مالكٍ، وروى ابن خزيمة في «صحيحه» عنه خلافه، والأظهر الأوَّل(7).


[1] في (م): «كما».
[2] «فتوضَّأ»: سقط من (م).
[3] في (ص) و(م): «الشَّيطان».
[4] في (م): «المستشنع».
[5] في (م): «منه».
[6] في (م): «فأحاله».
[7] في (د): «خلافًا، والأوَّل أظهر».