إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا

          2296- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ قال: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ، أنَّه (سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ) أي: ابن الحسين بن عليِّ بن أبي طالبٍ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريِّ ( ♥ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم ‼: لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ) موضعٌ بين البصرة وعُمَان(1)، أي: لو تحقَّق المجيء (قَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا) زاد في غير(2) رواية أبي الوقت: ”وهكذا“ ، زاد في «الشَّهادات» [خ¦2683]: فبسط يديه ثلاث مرَّاتٍ، فيه اقتران الماضي الواقع جوابًا لـ «لو» بـ «قد»، قال ابن هشامٍ: وهو غريبٌ كقول جريرٍ:
لو شِئْتِ قد نَقعَ(3) الفؤادُ بشَـرْبةٍ                     تَدَع الصَّوادي لا يَجِدْنَ غليلا
          يُقال: نَقَعَ الماءُ العطشَ: سَكَّنه، والذي وقع هنا يؤيِّده كحديث ابن عبَّاسٍ عند البخاريِّ في «باب رجم الحبلى من الزِّنا» [خ¦6830] الذي فيه ذكر البيعة بعد وفاة النَّبيِّ صلعم ، قال عبد الرَّحمن بن عوفٍ: لو رأيتَ رجلًا أتى أمير المؤمنين اليومَ فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلانٍ؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا، ففيه كالذي قبله ورود جواب «لو» وشرطها جميعًا مقترنين بـ «قد»، و«فلانٍ» المشار إليه بالبيعة هو طلحة بن عبيد الله(4) كما في «فوائد البغويِّ». (فَلَمْ يَجِئْ مَالُ البَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلعم ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ رجلًا (فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم عِدَةٌ) أي: وعدٌ (أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا) قال جابرٌ: (فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ) له: (إِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، فَحَثَا لِي) أبو بكرٍ ☺ (حَثْيَةً) بفتح الحاء المهملة وبالثَّاء المُثلَّثة فيهما(5)، قال ابن قتيبة: هي الحفنة، وقال ابن فارسٍ: ملء الكفَّين (فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ خَمْسُ مِئَةٍ، وَقَالَ: خُذْ مِثْلَيْهَا) أي: مِثْلَي خمس مئةٍ، فالجملة ألفٌ وخمس مئةٍ، وذلك لأنَّ جابرًا لمَّا قال: إنَّ النَّبيَّ صلعم قال: لي كذا وكذا وكذا ثلاث مرَّاتٍ، حثا له أبو بكرٍ حثيةً، فجاءت خمس مئةٍ فقال: خذ مِثْلَيها لتصير ثلاث مرَّاتٍ، كما وعده النَّبيُّ صلعم ، وكان من خُلُقه الوفاءُ بالوعد، فنفَّذه أبو بكرٍ بعد وفاته ╕ ، ومطابقته للتَّرجمة من جهة أنَّ أبا بكرٍ ☺ لمَّا قام مقام النَّبيِّ صلعم تكفَّل بما كان عليه من واجبٍ أو تطوَّعٍ، فلمَّا التزم ذلك لزمه أن يوفي جميع ما عليه من دَينٍ أو عِدَةٍ.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «الخمس» [خ¦3137] و«المغازي» [خ¦4383] و«الشَّهادات» [خ¦2683]، ومسلمٌ في «فضائل النَّبيِّ صلعم ».


[1] «موضعٌ بين البصرة وعمان»: ليس في (د1) و(م).
[2] «غير»: سقط من (د).
[3] في غير (د) و(س): «نفع»، وهو تصحيفٌ.
[4] «الله»: مثبتٌ من (ص).
[5] «فيهما»: ليس في (د).