إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد

          2275- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياث بن طلقٍ النَّخعيُّ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (عَنْ مُسْلِمٍ) هو ابن صُبَيحٍ _بضمِّ الصَّاد، مُصغَّرًا_ أبي الضُّحى(1) (عَنْ مَسْرُوقٍ) هو ابن الأجدع قال: (حَدَّثَنَا خَبَّابٌ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد المُوحَّدة الأولى، ابن الأرتِّ التَّميميُّ(2)، من السَّابقين إلى الإسلام ☺ (قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا) بفتح القاف وسكون التَّحتيَّة: حدَّادًا (فَعَمِلْتُ) أي: سيفًا (لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ) السَّهميِّ، والد عمرو بن العاص الصَّحابيِّ المشهور، وكان له قدرٌ في الجاهليَّة، ولكنَّه لم يُوفَّق للإسلام، وكان عمله ذلك له بمكَّة، وهي إذ ذاك دار حربٍ، وخبَّابٌ مسلمٌ (فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ) زاد الإمام أحمد: دراهم (فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ) أي: أطلب الدَّراهم أجرةَ عمل السَّيف (فَقَالَ) أي(3): العاص: (لَا وَاللهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: أَمَا) بتخفيف الميم، حرف تنبيهٍ (وَاللهِ) لا أكفر (حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ) مفهومه غير مرادٍ؛ لأنَّ الكفر لا يُتصوَّر بعد البعث، فكأنَّه قال: لا أكفر أبدًا (فَلَا) أي: فلا أكفر، والفاء لا تدخل في جواب القَسَم، فهو مُفسِّرٌ للمُقدَّر الذي حذفه، قال الكِرمانيُّ: ويُروَى: ”أمَّا“ بالتشديد، وتقديره: أمَّا أنا فلا أكفر والله، وأمَّا غيري فلا أعلم حاله (قَالَ) العاص: (وَإِنِّي) بحذف همزة الاستفهام، والتَّقدير: أوَ إنِّي (لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟) قال خبَّابٌ: (قُلْتُ) له: (نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ) بفتح المُثلَّثة، أي: هناك (مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَقْضِيكَ) حقَّك (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}[مريم:77]) وموضع التَّرجمة منه قوله: «فعملت»... إلى آخره، ووجه الدَّلالة: أنَّ العاص كان مشركًا، وكان خبَّابٌ إذ ذاك مسلمًا، ومكَّة حينئذٍ دار حربٍ، واطَّلع عليه النَّبيُّ صلعم وأقرَّه، لكن يحتمل أن يكون الجواز مُقيَّدًا بالضَّرورة، وقبل الإذنِ بقتال المشركين والأمرِ بعدم إذلال المؤمن‼ نفسه، قال ابن المُنيِّر: والذي استقرَّت عليه المذاهب: أنَّ الصُّنَّاع في حوانيتهم كالقين والخيَّاط ونحوهما يجوز أن تعمل لأهل الذِّمَّة ولا يُعدُّ ذلك ذلَّةً، بخلاف خدمته في منزله وبطريق التَّبعيَّة له، كالمكاري والبلَّان في الحمَّام ونحو ذلك.
          وهذا الحديث سبق في «باب ذكر / القَيْن والحَدَّاد» من «كتاب البيع» [خ¦2091]، ويأتي إن شاء الله تعالى في «تفسير سورة مريم» [خ¦4732].


[1] «أبي الضُّحى»: ليس في (د).
[2] في (د): «التَّيميُّ»، وهو تحريفٌ.
[3] «أي»: ليس في (د).