إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج

          2138- وبه قال: (حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي المَغْرَاءِ) «فَرْوة» بفتح الفاء وسكون الرَّاء، و«المَغْراء» بفتح الميم وسكون الغين المعجمة وبالرَّاء والمدِّ، واسمه(1): مَعْدِيكَرِبَ قال: (أَخْبَرَنَا(2) عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ) بضمِّ الميم وسكون السِّين المهملة وكسر الهاء، قاضي الموصل (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي) أي: والله، لَقلَّما ما يأتي يومٌ (عَلَى النَّبِيِّ صلعم إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ) فاللَّام جواب قَسَمٍ محذوفٍ، والاستثناء مُفرَّغٌ واقعٌ بعد نفيٍ مُؤوَّلٍ؛ لأنَّ «قلَّ» في معنى النَّفي، والجملة الواقعة بعد أداة الاستثناء في محلِّ نصبٍ على أنَّها خبر «كان»، و«بيتَ»: نُصِب على المفعوليَّة، و«أحدَ» ظرفٌ بتقدير: «في» (فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ) ╕ بضمِّ الهمزة وكسر المعجمة (فِي الخُرُوجِ إِلَى المَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا) بفتح التَّحتيَّة وضمِّ الرَّاء وسكون العين المهملة، من الرَّوع، وهو الفزع (إِلَّا وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا) يعني: فاجأنا بغتةً في غير الوقت الذي اعتدنا مجيئه فيه، فأفزعنا ذلك وقت الظُّهر (فَخُبِّرَ) بضمِّ الخاء المعجمة وكسر المُوحَّدة المُشدَّدة (بِهِ) ╕ (أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق (فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ما جاء النَّبيُّ“ ( صلعم فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا لأَمْرٍ حَدَثَ) بفتحاتٍ، ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”إلَّا من حدثٍ“ أي: من(3) حادثةٍ حدثت له(4) (فَلَمَّا دَخَلَ) ╕ (عَلَيْهِ قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ) بفتح الهمزة وكسر الرَّاء، أمرٌ من الإخراج، و«مَنْ» _بفتح الميم_ مفعول «أَخْرِج»، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ما عندك“ ، وقوله في «التَّنقيح»: والوجه «مَنْ»‼، أي: بالنُّون / ، تعقَّبه في «المصابيح» بأنَّ «ما» قد تقع ويُراد بها من يعقل، نحو: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص:75] و«سبحان ما سخركنَّ لنا»، قال أبو حيَّان: هذا قول أبي عبيدة وابن درستويه وابن خروفٍ ومكِّيِّ بن أبي طالبٍ، ونسبه ابن خروفٍ لسيبويه، ومن أدلَّتهم أيضًا: «سبحان ما سبَّح الرَّعد بحمده» {وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ}[الكافرون:3] {وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا}[الشمس:5]... الآيات.
          (قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ(5)، يعني: عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ) ╠ (قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ) بضمِّ الهمزة وكسر المعجمة، أي: أَذِنَ اللهُ (لِي فِي الخُرُوجِ) إلى المدينة (قَالَ) أبو بكرٍ: أريد (الصُّحْبَةَُ) معك عند الخروج (يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ) صلعم : أنا أريد أو ألتمس (الصُّحْبَةَُ) أيضًا أو نلتها، ويجوز الرَّفع فيهما خبر(6) مبتدأٍ محذوفٍ يُقدَّر في كلٍّ ما يليق به، ففي الأوَّل: مرادي الصُّحبةُ، أو مسألتي الصُّحبةُ، وفي الثَّاني: مبذولةٌ أو حاصلةٌ لك ونحوه (قَالَ) أبو بكرٍ: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ) معك إلى المدينة، قال في «اللَّامع» و«المصابيح» وغيرهما: ويُروَى: ”عددتهما“ بغير همزةٍ، قال ابن التِّين: وصوابه بالهمزة؛ لأنَّه رباعيٌّ، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّ قوله: «رباعيٌّ» إنَّما هو بالنِّسبة إلى عدد حروفه، ولا يُقال في مصطلح الصَّرفيِّين إلَّا ثلاثيٌّ مزيدٌ فيه (فَخُذْ) يا رسول الله (إِحْدَاهُمَا، قَالَ) ╕ : (قَدْ أَخَذْتُهَا) أي: آخذ إحدى النَّاقتين، قال ابن إسحاق في غير رواية ابن هشامٍ: هي الجدعاء(7) (بِالثَّمَنِ) قال المُهلَّب: لم يكن آخذًا(8) باليد ولا بالحيازة، بل بالابتياع بالثَّمن وإخراجها من(9) ملك أبي بكرٍ؛ لأنَّ قوله: «قد أخذتها» يوجب أخذًا صحيحًا وقبضًا من الصِّدِّيق بالثَّمن الذي هو عوضٌ، وتعقَّبه في «فتح الباري» بأنَّ ما قاله ليس بواضحٍ؛ لأنَّ(10) القصَّة ما سيقت لبيان ذلك؛ فلذلك اختصر فيها قدر الثَّمن وصفة العقد، فيُحمَل كلُّ ذلك على أنَّ الرَّاوي اختصره؛ لأنَّه ليس من غرضه، وكذلك اختصر صفة القبض فلا يكون فيه حجَّةٌ في عدم(11) اشتراط القبض.
          ووجه المطابقة بين الحديث والتَّرجمة من حيث إنَّ لها جزأين، فدلالته على الأوَّل ظاهرةٌ؛ لأنَّه لم يقبض النَّاقة بعد(12) الأخذ بالثَّمن الذي هو كنايةٌ عن البيع وتركها عند أبي بكرٍ، وأمَّا الثَّاني _وهو قوله: «أو مات قبل أن يقبض»_ إمَّا للإشعار بأنَّه لم يجد حديثًا على شرطه فيما يتعلَّق به، وإمَّا‼ للإعلام بأنَّ حكم الموت قبل القبض حكم الوضع عنده قياسًا عليه، قاله الكِرمانيُّ وغيره. وأخذ ابن المُنَيِّر منه جواز بيع الغائب؛ لأنَّ قول أبي بكرٍ: _«إنَّ عندي ناقتين» بالتَّنكير_ يدلُّ على غيبتهما وعلى عدم سبق العهد بهما، وهذا معارضٌ بقوله في هذا الحديث في رواية ابن شهابٍ عن عروة، قال أبو بكرٍ: فخذ _بأبي أنت يا رسول الله_ إحدى راحلتيَّ هاتين.
          وهذا الحديث من أفراده، وأخرجه أيضًا في أوَّل «الهجرة» [خ¦3905] مُطوَّلًا.


[1] في (م): «أشبه»، وهو تحريفٌ.
[2] في (د): «حدَّثنا».
[3] «من»: ليس في (د).
[4] في (د): «به».
[5] في (م): «ابنتاك»، وهو تحريفٌ.
[6] زيد في (د): «بعد خبرٍ».
[7] في (م): «الجذعاء»، وهو تصحيفٌ.
[8] في (د): «أخذ».
[9] في (ب) و(س): «عن».
[10] في (د): «فإنَّ».
[11] في (د1): «لعدم».
[12] في (م): «بين»، وهو تحريفٌ.