إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسك

          2101- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ) بن زيادٍ العبديُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ) بضمِّ الموحَّدة، هو بُريد (بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى) بضمِّ الموحَّدة أيضًا، واسمه: عامرٌ، وهو جدُّ أبي بردة بن عبد الله (عَنْ أَبِيهِ) أبي موسى عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ( ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ) على وزن فَعيلٍ، يُقال: جالستُه فهو جَليسي (وَ) مَثَل (الجَلِيسِ السَّوْءِ) الأوَّل (كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ) في رواية أبي أسامة عن يزيد كما سيأتي _إن شاء الله تعالى بعونه وقوّته_ في «الذَّبائح» [خ¦5534]: كحامل المسك، وهو أعمُّ من أن يكون صاحبه أم لا (وَ) الثاني: كَمَثل (كِيرِ الحَدَّادِ) بسكون المثنَّاة التَّحتيَّة بعد الكاف المكسورة: البناء الذي يركَّب عليه الزِّقُّ الذي ينفخ فيه، وأطلق على الزِّقِّ اسم الكير مجازًا؛ لمجاورته له، وقيل: الكير هو الزِّقُّ نفسه، وأمَّا البناء فاسمُه: الكور، وظاهر الكلام: أنَّ المشبَّه به الكير، والمناسب للتشبيه أن يكون صاحبه، وفي رواية أبي أسامة: «كحامل المسك ونافخ الكير» (لَا يَعْدَمُكَ) بفتح أوَّله وثالثه، من العدم، أي: لا يعدوك (مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ) فاعل «يعدَم» مستترٌ يدلُّ عليه «إمَّا» أي: لا يعدم(1) أحد الأمرين، أو كلمة «إمَّا» زائدة، و«تشتريه» فاعله بتأويله بمصدرٍ وإن لم يكن فيه حرفٌ مصدريٌّ، كما في قوله:
وقالوا: ما تشاء؟ فقلتُ: أَلْهُو(2)                     ........................
          قاله الكِرمانيُّ، وتعقَّبه البرماويُّ فقال: في الجوابين نظرٌ، والظاهر أنَّ الفاعل موصوف «تشتري» أي: إمَّا شيءٌ تشتريه، كقوله:
لو قُلْتَ(3) ما في قومها لم تِيثَمِ(4)
يَفْضُلُها في حَسَبٍ ومِيسَمِ
          ولأبي ذرٍّ: ”لا يُعدِمك“ بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه، من الإعدام (وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ) بضمِّ الياء، من أحرق، ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”بيتك“ (أَوْ ثَوْبَكَ) وفي رواية أبي أسامة [خ¦5534]: «ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك»، ولم يذكر «بيتك»، وهو أوضح (أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً) وفيه النَّهي عن مجالسة من يُتأذَّى بمجالسته في الدِّين والدُّنيا، ولم يترجِم المؤلِّف للحدَّاد، لأنَّه سبق ذكرُه.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «الذبائح»(5) [خ¦5534]، ومسلمٌ(6) في «الأدب».


[1] في (ج) و(ل): «لا يعد».
[2] في (ج) و(ص) و(ل): «الهوى»، وفي هوامشهم: قوله: «قلت: الهوى» كذا بخطِّه، وصوابه كما في «الكِرمانيِّ»: أَلهُو؛ يعني: مضارعٌ «لها يلهو»، قال في مقدِّمات «الهمع»: ممَّا ينزَّل فيه الفعل منزلة المصدر، فجُرِّد لأحد مدلوليه، قوله: «ما تشاء؟ قلت: ألهو»، فإنَّه نزَّل «ألهو» منزلة اللَّهو؛ ليكون مفردًا مطابقًا للمسؤول عنه المفرد؛ وهو «ما تشاء»، ولم يحمل على حذف «أن»؛ لأنَّ قوله: «ما تشاء» سؤالٌ عمَّا يشاء في الحال، لا الاستقبال، ولو حمل على حذفها؛ لكان مستقبلًا، فلا يطابق السُّؤال، واعترض بجواز أن يراد: أشاء في الحال اللَّهوَ في الاستقبال، ودفع بأنَّ قوله في تمامه:
.....................                      إلى الإصباح آثر ذي أثير
يمنع ذلك. انتهى. وبه يُعلَم ما في قول الكِرمانيِّ: بتأويله بمصدرٍ، ولعلَّه وجَّه النَّظر الذي نقله الشَّارح عن البرماويِّ؛ فليتأمَّل. انتهى بخطِّ شيخنا ⌂ عجمي.
[3] قوله: «لو قلتَ...» إلى آخره، فيه حذفٌ وتغييرٌ، وتقديمٌ وتأخيرٌ، وأصله: «لو قلتَ: ما في قومها أحدٌ يفضُلها؛ لم تأثَم في مقالتك» فحَذَفَ الموصوف بجملة «يفضلها» وهو «أحدٌ» وهو بعضُ اسمٍ مقدَّم مجرور بـ «في» وهو «قومِها» وكَسَر حرف المضارعة مِن «تأثم» وأبدَلَ الهمزة ياءً؛ لوقوعها ساكنةً بعد كسرة لشبهها بالألف، وقدَّم جواب «لو» _وهو «لم تيثم»_ على جملة النَّعت _وهو «يفضلها»_ حالَ كون الجواب فاصلًا بين الجواب المقدَّم والمبتدأ المؤخَّر، إلى آخر ما في «شرح التَّوضيح» فليُراجَع.
[4] في (ج) و(ص): «من ينتمي».
[5] «في الذَّبائح»: سقط من غير (د). وكتب على هامش (ج).
[6] «ومسلمٌ»: سقط من غير (د) و(س).