إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث وضوء عبد الله ابن عباس

          140- وبالسَّند إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا) وللأَصيليِّ بالإفراد (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ) بن أبي زهيرٍ البغداديُّ، المُلَّقب بصاعقةٍ لسرعة حفظه وشدَّة ضبطه، البزَّاز(1)، المُتوفَّى سنة خمسٍ وخمسين ومئتين (قَالَ: أَخْبَرَنَا) وللأَصيليِّ: ”حدَّثنا“ (أَبُو سَلَمَةَ) بفتح السِّين واللَّام (الخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ) البغداديُّ الحافظ، المُتوفَّى بالمصِّيصة سنة عشرين ومئتين، أو سنة عشرٍ، أو سبعٍ، أو تسعٍ ومئتين (قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ بِلَالٍ، يَعْنِي: سُلَيْمَانَ) السَّابق في «باب أمور الإيمان» [خ¦9] (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ) من باب عطف المُفصَّل على المُجمَل، ثمَّ بيَّن الغسل على وجه الاستئناف، فقال: (أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَمَضْمَضَ(2) بِهَا) وفي رواية الأَصيليِّ وابن عساكر: ”فتمضمض بها“(3) (وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الأُخْرَى) أي: جعل الماء الذي في يده في يديه جميعًا لكونه أمكن في الغسل؛ لأنَّ اليد قد لا تستوعب الغسل، وسقط للأَصيليِّ وابن عساكر «من ماءٍ»(4) (فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ) أي: بالغَرْفة، وللأَصيليِّ وكريمة: ”فغسل بهما“ أي: باليدين، وظاهر قوله: «إنَّه توضَّأ فغسل وجهه» مع قوله: «أخذ غَرْفَةً»: أنَّ المضمضة والاستنشاق بغَرفةٍ(5) من جملة غسل الوجه، لكنَّ المُرَاد بالوجه أوَّلًا ما هو أعمُّ من المفروض والمسنون، بدليل أنَّه أعاد ذكره ثانيًا بعد ذكر المضمضة والاستنشاق بغَرْفةٍ مستقلَّةٍ (ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُمْنَى، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ) أيضًا (فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ اليُسْرَى، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ) بعد أن قبض قبضةً من الماء، ثمَّ نفض(6) يده كما في رواية أبي داودَ مع زيادة: «مسح أُذنيه(7)»، ففي الحديث هنا حذفٌ دلَّ عليه ما رواه أبو داود (ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ) أي: صبَّ الماء قليلًا قليلًا (عَلَى رِجْلِهِ اليُمْنَى حَتَّى) أي: إلى أن (غَسَلَهَا) والرَّشُّ قد يُرَاد به الغسل، ويؤيِّده قوله هنا: «حتَّى غسلها»، والرَّشُّ القويُّ يكون معه الإسالة، وعبَّر به تنبيهًا على الاحتراز عن الإسراف؛ لأنَّ الرِّجْلَ‼ مظنَّته في الغسل (ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْلَهُ، يَعْنِي: اليُسْرَى) وفي رواية أبوي ذَرٍّ والوقت: ”فغسل بها، يعني: رجله اليسرى“ والقائل «يعني»: زيدُ بن أسلم، أو من هو دونه من الرُّواة (ثُمَّ قَالَ) أي: ابن عبَّاسٍ: (هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ) ولأبي الوقت: ”النَّبيَّ“(8) ( صلعم يَتَوَضَّأُ) حكاية حالٍ ماضيةٍ، وفي رواية ابن عساكر: ”توضَّأ“ وفي هذا الحديث: دليل الجمع بين المضمضة والاستنشاق بغَرْفةٍ واحدةٍ، المحكيِّ في «الكفاية» عن نصِّه في «الأمِّ»، وهو يحتمل وجهين: أن يتمضمض منها ثلاثًا ولاءً، ثمَّ يستنشق كذلك، وأن يتمضمض ثمَّ يستنشق، ثمَّ يفعل كذلك ثانيًا وثالثًا، وأَوْلى الكيفيَّات: أن يجمع بين ثلاث(9) غَرْفاتٍ يتمضمض من كلِّ واحدةٍ، ثمَّ يستنشق، فقد صحَّ من حديث عبد الله بن زيدٍ، وغيره، وصحَّحه النَّوويُّ، وتأتي بقيَّة الكيفيَّات إن شاء الله تعالى في «باب المضمضة في الوضوء» [خ¦164].


[1] في (ص) و(م): «البزَّار»، وهو تصحيفٌ.
[2] في (ص): «تمضمض».
[3] في (د): «أخذ غرفةً من ماءٍ فمضمض بها».
[4] قوله: «وسقط للأَصيليِّ وابن عساكر: من ماءٍ» سقط من (ب) و(د) و(ص).
[5] «بغرفةٍ»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[6] في (ص): «قبض».
[7] في (م): «أذنه».
[8] قوله: «ولأبي الوقت: النَّبيَّ» سقط من (د).
[9] في (ص) و(م): «بثلاث».