إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني أريت ليلة القدر ثم أنسيتها أو نسيتها

          2016- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”وحدَّثني“ بواو العطف والتَّوحيد (مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة الزَّهرانيُّ الطُّفَاويُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستوائيُّ (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ) سعد بن مالكٍ الخدريَّ ☺ (وَكَانَ لِي صَدِيقًا فَقَالَ: اعْتَكَفْنَا) لم يذكر المسؤول عنه هنا، وفي رواية عليِّ بن مباركٍ الآتية في «باب الاعتكاف» [خ¦2036]: سألتُ أبا سعيدٍ الخدريَّ ☺ قلت: هل سمعتَ رسول الله صلعم يذكر ليلةَ القدر؟ قال: نعم، اعتكفنا (مَعَ النَّبِيِّ صلعم العَشْرَ الأَوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ) ذكَّرَه، وكان حقُّه أن يقول: الوسطى _بالتَّأنيث_ إمَّا باعتبار لفظ «العشر» من غير نظرٍ إلى مفرداته، ولفظه مُذكَّرٌ فيصحُّ وصفه بـ «الأوسط»، وإمَّا باعتبار الوقت أو الزَّمان، أي: ليالي العشر التي هي الثُّلث الأوسط من الشَّهر (فَخَرَجَ) صلعم ‼ (صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَخَطَبَنَا) بفاء التَّعقيب، وظاهر رواية مالكٍ الآتية _إن شاء الله تعالى_ في «باب الاعتكاف» [خ¦2027] _حيث قال: «حتَّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي اللَّيلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه»_ يخالف ما هنا؛ إذ مقتضاه: أنَّ خطبته وقعت في أوَّل اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا يكون أوَّل ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين، وهو مغايرٌ لقوله في آخر الحديث: فَبصُرَتْ عينايَ رسولَ الله صلعم وعلى جبهته أثر الماء والطِّين من صبح يوم(1) إحدى وعشرين، فإنَّه ظاهرٌ في أنَّ الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين، ووقوع المطر في ليلة إحدى وعشرين، وهو الموافق لبقيَّة الطُّرق، وعلى هذا: فالمراد _أي: من الصُّبح_ الذي قبلها، ويكون في إضافة الصُّبح إليها تجوُّزٌ، ويؤيِّده: أنَّ في رواية الباب الذي يليه [خ¦2018] «فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلةً تمضي، ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه»، وهذا في غاية الإيضاح، قاله في «فتح الباري».
          (وَقَالَ) ╕ : (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول من الرُّؤيا، أي: أُعلِمت بها، أو من الرُّؤية؛ أي(2): أبصرتها، وإنَّما أُرِي علامتها؛ وهو(3) السُّجود في الماء والطِّين كما في رواية همَّامٍ عن يحيى في «باب السُّجود في الماء والطِّين»(4) من «صفة الصَّلاة» بلفظ: «حتَّى رأيت أثر الماء والطِّين على جبهة رسول الله صلعم ، تصديقَ رؤياه» [خ¦813] (ثُمَّ أُنْسِيتُهَا) بضمِّ الهمزة أي: أنساه غيرُه إيَّاها، وكذا قوله: (أَوْ نُسِّيتُهَا) على رواية ضمِّ النُّون وتشديد السِّين، وهو الذي في «اليونينيَّة» وغيرها، وفي بعضها: بالفتح والتَّخفيف، أي: نسيها هو من غير واسطةٍ، والشَّكُّ من الرَّاوي، والمراد: أنَّه أُنسِي علم تعيينها في تلك السَّنة لا رفع وجودها؛ لأنَّه أَمَرَ بالتماسها حيث قال: (فَالتَمِسُوهَا) أي: ليلة القدر (فِي العَشْرِ / الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ) أي: في أوتار تلك اللَّيالي، وأوَّلها: ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التَّاسع والعشرين لا ليلة أشفاعها، وهذا لا ينافي قوله: «التمسوها في السَّبع الأواخر» لأنَّه صلعم لم يحدِّث بميقاتها جازمًا به (وَإِنِّي رَأَيْتُ) أي(5): في منامي (أَنِّي أَسْجُدُ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ _كما في «الفتح»_: ”أن أسجد“ (فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم فَلْيَرْجِعْ) إلى مُعتكَفه، وفيه التفاتٌ؛ إذ الأصل أن يقول: اعتكف معي (فَرَجَعْنَا) إلى معتكفنا (وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً) بفتح القاف والمعجمة‼، أي: قطعةً رقيقةً من السَّحاب (فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ) بفتحاتٍ (حَتَّى سَالَ سَقْفُ المَسْجِدِ) من باب ذكر المحلِّ وإرادة الحالِّ، أي: قَطَرَ الماءُ من سقفه (وَكَانَ) السَّقف (مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ) سعفه الذي جُرِّد عنه خوصه (وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) صلاة الصُّبح (فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَسْجُدُ فِي المَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ) الشَّريفة صلعم ، زاد في رواية همَّامٍ في «باب السُّجود على الأنف في الطَّين» [خ¦813] «تصديقَ رؤياه»، ومبحث السُّجود بأثر الطِّين قد سبق في «الصَّلاة»، وحمله الجمهور على الأثر الخفيف. والله أعلم(6).


[1] «يوم»: ليس في (ص) و(م).
[2] «أي»: ليس في (ب).
[3] في (ص): «وهي».
[4] قوله: «كما في رواية همَّامٍ عن يحيى في «باب السُّجود في الماء والطِّين» » ليس في (م).
[5] «أي»: ليس في (ب).
[6] «والله أعلم»: مثبتٌ من (ب) و(س).