إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس

          1979- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ) الأسديُّ الأعور (قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ المَكِّيَّ _وَكَانَ شَاعِرًا_) والشَّاعر قد يُتَّهَم فيما يحدَّث به لِمَا تقتضيه صناعته من المبالغة في الإطراء (وَ) لكن هذا (كَانَ لَا يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ) مرويِّه من الحديث وغيره، وقد وثَّقه أحمد وابن معينٍ وغيرهما، وليس له في «البخاريِّ» سوى هذا الحديث، وآخر في «الجهاد» [خ¦3004] وآخر في «المغازي» [خ¦4325] وأعادهما في «الأدب» [خ¦5972] [خ¦6086] (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ ☻ قَالَ: قَالَ لِي النَّبيُّ(1) صلعم : إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ(2): نَعَمْ، قَالَ) ╕ : (إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ) بفتح الهاء والجيم، أي: غارت وضَعُف بصرها (وَنَفِهَتْ) بفتح النُّون وكسر الفاء، أي: تعبت وكلَّت (لَهُ النَّفْسُ) وفي رواية النَّسفيِّ_كما في «الفتح»_: ”نثهت“ بالمُثلَّثة بدل الفاء، واستغربها ابن التِّين، وقال ابن حجرٍ: وكأنَّها أُبدِلت من الفاء؛ فإنَّها تُبدَل منها كثيرًا، قال العينيُّ: لم يذكر لذلك مثالًا، ولا نسبه إلى أحدٍ من أهل العربيَّة‼، ولم يذكر هذا أحدٌ في الحروف التي يُبدَل بعضها من بعضٍ، فإن(3) كان يوجد فربَّما يوجد في لسان ذي لُثْغةٍ، فلا ينبني(4) عليه شيءٌ. انتهى. قلت: قد وقع إبدال الثَّاء بالفاء في قوله تعالى: {وَفُومِهَا}[البقرة:61] أي: ثومها، فلا وجه لإنكار ذلك، ولأبي الوقت وابن عساكر: ”نَهَثَت“ بنونٍ فهاءٍ فمُثلَّثةٍ مفتوحاتٍ، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”نَهَكَتْ“ بهاءٍ بعد(5) النُّون ثمَّ كافٍ؛ بفتحاتٍ في بعض الأصول، وفي بعضها: بكسر الهاء، وفي الفرع: كُشِط الضَّبط، قال في «فتح الباري»: أي: هزلت وضعفت. قال العينيُّ: ولا وجه له إلَّا إذا ضمَّ النُّون، من نهكته الحمُّى إذا أضنَتْه(6). انتهى. وقال الأبيُّ: وضبطه بعضهم: بضمِّ النُّون وكسر الهاء وفتح الكاف(7)، وهو ظاهر كلام عياضٍ، وقال في «القاموس»: نَهَكَهُ _كَمَنَعَهُ_ نَهَاكَةً: غَلَبه، والحُمَّى: أضنَتْهُ وهَزَلَتْه وجَهَدَتْه؛ كنَهَكَتْه _كَفرِح_ نَهْكًا ونَهَكًا(8) ونَهْكَةً وَنَهَاكَةً، أو النَّهْك: المبالغة في كلِّ شيءٍ، ونَهِكه السُّلطان _كسَمِعه_ نَهْكًا ونَهْكَةً: بالغ في نهكته، أي: عقوبتِه كأَنْهَكَه (لَا صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ) لأنَّ منه العيد والتَّشريق، والصَّوم فيها حرامٌ، قال الخطَّابيُّ: يحتمل أنَّه دعاءٌ، ويحتمل أنَّ «لا» بمعنى: «لم» نحو: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى}[القيامة:31]. انتهى. فهو على هذا التَّقدير: خبرٌ لأنَّ «لم» تخلص للمضيِّ، وقد تقدَّم ما فيه(9) من البحث قريبًا في سابق سابقه (صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) أي: من كلِّ شهرٍ (صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ) أي: بالتَّضعيف كما مرَّ؛ فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها، قال عبد الله / : (قُلْتُ): يا رسول الله (فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ) ╕ : (فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ ◙ ، كَانَ) ولابن عساكر: ”وكان“ (يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى) العدوَّ لأنَّه يستعين بيوم فطره على يوم صومه، فلم يضعفه ذلك عن لقاء عدوِّه.


[1] في غير (ب) و(د) و(س): «رسول الله»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (د): «قلتُ»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] في (د): «فإذا».
[4] في (ب) و(س): «يُبنَى».
[5] في (م): «ثمَّ»، وليس بصحيحٍ.
[6] في (د): «أضعفته»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[7] في (د1) و(ص): «الثَّاء»، وفي (م): «التَّاء»، وهو تصحيفٌ عن السَّابقة.
[8] «ونهكًا»: ليس في (د).
[9] في (ص): «فيهنَّ».