إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه

          1901- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزديُّ القصَّاب البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) الدَّستُـَوائيُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ / النَّبِيِّ صلعم قَالَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ) حال كون قيامه(1) (إِيمَانًا) تصديقًا (وَاحْتِسَابًا) طلبًا للأجر (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وعند أحمد في «مسنده» برجالٍ ثقاتٍ، لكن فيه انقطاعٌ من حديث عبادة بن الصَّامت‼ مرفوعًا: «ليلة القدر في العشر(2) البواقي، من قامهنَّ ابتغاء حسبتهنَّ فإنَّ الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر...» الحديثَ، (وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ) حال كون صيامه (إِيمَانًا) مصدِّقًا بوجوبه (وَاحْتِسَابًا) قال الخطَّابيُّ: أي: عزيمةً، وهو أن يصومه على معنى الرَّغبة في ثوابه، طيِّبةً به نفسه، غير مستثقلٍ لصيامه، ولا مستطيلٍ لأيَّامه (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) زاد الإمام أحمد من طريق حمَّاد بن سلمة عن محمَّد بن عمرٍو عن أبي سلمة: «وما تأخَّر» وقد رواه جماعة منهم مسلم وليس فيه: «وما تأخر» لكن رواه النَّسائيُّ في «السُّنن الكبرى» من طريق قتيبة بن سعيدٍ بلفظ: «قام شهر رمضان» وفيه: «وما تأخَّر، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر» وقد تابع قتيبة جماعةٌ، وقوله: «من ذنبه» اسم جنسٍ مضافٌ، فيعمُّ جميع الذُّنوب إلَّا أنَّه مخصوصٌ عند الجمهور بالصَّغائر.


[1] قال السندي في «حاشيته»: أي: طلبًا للأجر، وهما في الإعراب مفعول له، أي: الحامل له على ذلك الإيمان بالله، أو بما ورد في فضله مثلًا، وكذا الحامل لطلبِ الأجر من الله لا الرِّياء والسُّمعة، وقرَّره القسطلاني حالًا في المواضع كلها، وقال: أي: حال كون قيامه إيمانًا واحتسابًا وهكذا.
ولا يخفى بعده أمَّا أولًا: فلأنَّ القيام لا يكون نفس الإيمان فلا يصحُّ الحملُ بين الحال وصاحبها، وأمَّا ثانيًا: فلأنَّ ظاهر كلامه يقتضي أنَّه حالٌ من القيام ولا ذكر للقيام إلَّا في ضمن الفعل، فكأنَّه جعله حالًا من الفعلِ نفسه، ولا يخفى أنَّ الفعلَ لا يصلح أن يكون ذا حالٍ، فافهم.
[2] في (د): «اللَّيالي».