إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لما قدم النبي مكة استقبلته أغيلمة بني عبد المطلب

          1798- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ) بضمِّ الميم وفتح العين واللَّام المُشدَّدة العمِّيُّ، أخو بَهْز بن أسدٍ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) بضمِّ الزَّاي، قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) الحذَّاء (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاسٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ(1): لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم مَكَّةَ) في الفتح (اسْتَقْبَلَهُ(2) أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ) بضمِّ الهمزة من «أُغيلمة» وفتح الغين المعجمة، قال في «الصِّحاح»: الغلام معروفٌ، وتصغيره: غُلَيِّمٌ، والجمع: غِلْمَةٌ وغِلْمانٌ، واستغنوا بـ «غِلْمةٍ» عن أَغْلِمَةٍ، وتصغير الغِلْمَة: أُغَيْلِمَةٌ على غير مُكَبَّره، كأنَّهم صغَّروا أغلمةً وإن كانوا لم يقولوه؛ كما قالوا: أصيبيةٌ في تصغير: صبيةٍ، وبعضهم يقول: غليمةٌ على القياس، وقال في «القاموس»: الغلام: الطارُّ الشَّارب، والكهلُ ضدٌّ(3)، أو: من حين يُولَد إلى أن يَشِبَّ، جمعه: أَغْلِمةٌ وغِلْمَةٌ وغِلْمانٌ، وهي غلامةٌ. انتهى. ومراده‼: صبيان بني عبد المطَّلب، وإضافتهم إليه لكونهم من ذريَّته (فَحَمَلَ) ╕ (وَاحِدًا) منهم (بَيْنَ يَدَيْهِ) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطَّلب (وَآخَرَ خَلْفَهُ) هو قُثَم بن العبَّاس بن عبد المطَّلب؛ كذا قاله ابن حجرٍ، لكن لا أعلم هل خرج عبد الله بن جعفرٍ من المدينة إلى مكَّة بعد أن دخلها مع أبيه من الحبشة حتَّى استقبل النَّبيَّ صلعم حين قدومه مكَّة في الفتح؟ فليُنظَر، وقول الحافظ ابن حجرٍ: _وكونُ التَّرجمة لتلقِّي القادم من الحجِّ، والحديثُ دالٌّ على تلقِّي القادم للحجِّ؛ ليس بينهما تخالفٌ لاتِّفاقهما من حيث المعنى_ تعقَّبه العينيُّ فقال: لا نسلِّم أنَّ كون التَّرجمة لتلقِّي القادم من الحجِّ، بل هي لتلقِّي القادم للحجِّ، والحديث يطابقه، وهذا القائل ذهل وظنَّ أنَّ التَّرجمة وُضِعت لتلقِّي القادم من الحجِّ، وليس كذلك؛ وذلك لأنَّه لو علم أنَّ لفظ الاستقبال في التَّرجمة مصدرٌ مضافٌ إلى مفعوله، والفاعل ذكرُهُ مطويٌّ لَمَا احتاج إلى قوله: «وكون التَّرجمة...» إلى آخره. انتهى. ولعلَّه أخذه من كلام ابن المُنيِّر؛ حيث تعقَّب ابن بطَّالٍ لمَّا قال في الحديث: من الفقه جواز تلقِّي القادمين من الحجِّ لأنَّه ╕ لم ينكر ذلك، بل سُرَّ به لحمله لهما بين يديه وخلفه، فقال(4): هذا ليس تلقِّيًا للقادم من الحجِّ، ولكنَّه تلقِّي القادم للحجِّ، قال: وتلك العادة إلى الآن، يتلقَّى المجاورون وأهل مكَّة القادمين من الرُّكبان. انتهى. نعم يُؤخَذ منه بطريق القياس تلقِّي القادمين من الحجِّ، بل ومَنْ في معناهم كمن قدم من جهادٍ أو سفرٍ تأنيسًا لهم وتطييبًا لقلوبهم، وفي «صحيح مسلمٍ» عن عبد الله بن جعفرٍ قال: «كان النَّبيُّ صلعم إذا قدم من سفرٍ تُلُقِّيَ بصبيان أهل بيته، وإنَّه قدم من سفرٍ، فسُبِق بي إليه، فحملني بين يديه، ثمَّ جيء بأحد ابنَي فاطمة، فأردفه خلفه، فدخلنا المدينة ثلاثةً على دابَّةٍ»، وفي «المُسنَد» و«صحيح الحاكم»: عن عائشة قالت: «أقبلنا من مكَّة في حجٍّ أو عمرةٍ، فتلقَّانا غلمانٌ من الأنصار كانوا يتلقَّون أهاليهم إذا قدموا» وذكر ابن رجبٍ في «لطائفه»: عن أبي معاوية الضَّرير عن حجَّاجٍ عن الحكم قال: قال ابن عبَّاسٍ ☻ : لو يعلم المقيمون ما للحجَّاج(5) عليهم من الحقِّ لأتوهم حين يقدمون حتَّى يقبِّلوا رواحلهم لأنَّهم وفد الله في جميع النَّاس(6).
          وفي حديث(7) الباب: التَّحديث والعنعنة والقول، ورواته الثَّلاثة الأُوَل بصريُّون، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «اللِّباس» [خ¦5965]، والنَّسائيُّ في «الحجِّ».


[1] «قال»: سقط من (ص) و(م).
[2] في (م): «استقبلته»، وكذا في «اليونينيَّة».
[3] في (ب) و(د): «ضدُّه».
[4] «فقال»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[5] في (د): «للحاجِّ».
[6] زيد في (ب): «وما للمنقطع حيلةٌ سوى التَّعلُّق بأذيال الواصلين».
[7] في (د): «هذا».