إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قدم النبي مكة فطاف بالبيت ثم صلى ركعتين

          1647- وبه قال: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن بشير(1) بن فرقد البلخيُّ (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☻ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم مَكَّةَ، فَطَافَ بِالبَيْتِ) أي: سبعًا (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) سنَّة الطَّواف (ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ) أي: سبعًا، يبدأ بالصَّفا ويختم بالمروة، يحسب الذَّهاب من الصَّفا مرَّةً(2)، والعَود من المروة مرَّةً ثانيةً، قال النَّوويُّ في «الإيضاح»: وهذا هو المذهب الصَّحيح الذي قطع به جماهير العلماء من أصحابنا وغيرهم، وعليه عمل النَّاس في الأزمان(3) المتقدِّمة والمتأخِّرة، وذهب جماعةٌ من أصحابنا إلى أنَّه يحسب الذَّهاب والعود مرَّةً واحدةً، قاله من أصحابنا: أبو عبد الرَّحمن ابن بنت الشَّافعيِّ، وأبو حفص بن الوكيل، وأبو بكرٍ الصَّيدلانيُّ، وهذا قولٌ فاسدٌ لا اعتداد به ولا نظر إليه. انتهى. ووجهه(4): إلحاقه بالطَّواف حيث كان من المبدأ _أعني: الحجر_ إلى المبدأ، وتُعقِّب بأنَّه لو كان كذلك لكان الواجب أربعة عشر شوطًا، وقد اتَّفق رواة نسكه ╕ أنَّه إنَّما طاف سبعًا، وأُجيب بأنَّ هذا موقوفٌ على أنَّ مُسمَّى الشَّوط إمَّا من الصَّفا إلى المروة، أو من المروة إلى الصَّفا في الشَّرع، وهو ممنوعٌ؛ إذ نقول: هذا اعتباركم لا اعتبار الشَّرع لعدم النَّقل منه في ذلك، وأقلُّ الأمور إذا لم يثبت عن(5) الشَّارع تنصيصٌ في مُسمَّاه أن يثبت احتمال أنَّه كما قلتم أو كما قلنا، قلت: فيجب الاحتياط فيه، ويقوِّيه أنَّ لفظ(6) الشَّوط أُطلِق على ما حوالي البيت، وعُرِف قطعًا أنَّ المراد به ما بين المبدأ إلى المبدأ، فكذا إذا أُطلِق في السَّعي، ولا تنصيص على المراد، فيجب أن يُحمَل على المعهود منه في غيره، فالوجه إثبات أنَّ مُسمَّى الشَّوط _في اللُّغة_ يُطلَق على كلٍّ من الذَّهاب من الصَّفا إلى المروة والرُّجوع منها إلى الصَّفا، ليس في الشَّرع ما يخالفه، فيبقى على المفهوم اللُّغويِّ، وذلك أنَّه في الأصل مسافةٌ تعدوها الفرس _كالميدان ونحوه_ مرَةً واحدةً، فسبعة أشواطٍ حينئذٍ قطع مسافةٍ مُقدَّرةٍ بسبع مرَّاتٍ، فإذا قال: طاف بين كذا وكذا سبعًا صُدِّق بالتَّردُّد من كلٍّ من الغايتين إلى الأخرى سبعًا، بخلاف طاف بكذا فإنَّ حقيقته متوقِّفةٌ على أن يشمل بالطَّواف ذلك الشَّيء، فإذا قال: طاف به سبعًا كان بتكرير تعميمه بالطَّواف سبعًا، فمن هنا افترق الحال بين الطَّواف‼ بالبيت حيث لزم في شوطه كونُه من المبدأ إلى المبدأ، والطَّواف بين الصَّفا والمروة حيث لم يلزم ذلك، قاله في «فتح القدير». (ثُمَّ تَلَا) أي: ابن عمر: ({لَقَدْ كَانَ / لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]).


[1] في (د): «بشر».
[2] قوله «مرَّة»: ليس في (م). وأثبتت في (ج).
[3] في (ب) و(س): «الأزمنة».
[4] في (د): «ووُجَّه».
[5] في (ص) و(م): «من».
[6] في (د): «مُسمَّى».