إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمر: أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع

          1605- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ) بكسر العين قال: (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الأنصاريُّ، زاد أبو ذرٍّ: ”ابن أبي كَثِيرٍ“ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ) مولى عمر (عَنْ أَبِيهِ) أسلمَ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ☺ قَالَ لِلرُّكْنِ) الأسود مخاطبًا له ليسمع الحاضرين: (أَمَا _وَاللهِ_ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ) ولغير أبي ذرٍّ: ”النَّبيَّ“ ( صلعم اسْتَلَمَكَ مَا اسْتَلَمْتُكَ، فَاسْتَلَمَهُ) تعبُّدًا محضًا (ثُمَّ قَالَ) بعد استلامه: (فَمَا) بالفاء، ولابن عساكر: ”ما“ (لَنَا والرَّمَلَ؟) بالنَّصب؛ نحو: ما لك وزيدًا؟ وجواز الجرِّ في مثله مذهبٌ كوفيٌّ، ويُروَى: ”ما لنا وللرَّمل“ بإعادة اللَّام (إِنَّمَا كُنَّا رَاءَيْنَا) كذا في رواية أبي ذرٍّ والأَصيليِّ بوزن «فاعلنا» بالهمز، من الرُّؤية، أي: أريناهم بذلك أنَّا أقوياء لا نعجز عن مقاومتهم ولا نضعف عن محاربتهم، وجعله ابن مالكٍ من الرِّياء الذي هو: إظهار المرائي خلاف ما هو عليه، فقال: معناه أظهرنا لهم القوَّة ونحن ضعفاء، وهو مثل قول ابن المُنيِّر في قوله: فأمرهم أن يرملوا، لم يجوِّز لهم أن يقولوا: ليس بنا حُمَّى(1)، لكن جوَّز لهم فعلًا يفهم منه من لا يعلم الباطن أنَّه ليس بهم حُمَّى وإن كان الفاهِمُ مغالطًا في فهمه لمصلحة إفحام الخصم المبطل، لكنَّ هذا الذي قالاه يحتاج إلى ثبوت نقلٍ يدلُّ عليه، وليس في الحديث ما يقتضيه، وعلى هذا فتصويب العينيِّ لقول ابن مالكٍ فيه نظرٌ. نعم وقع في رواية غير أبي ذرٍّ والأَصيليِّ هنا ما يؤيِّده حيث رُوِي: ”رايينا“ (بِهِ المُشْرِكِينَ) بمُثنَّاتين تحتيَّتين(2) من غير همزٍ حملًا له على الرِّياء وإن كان أصله: «رئاءً» بهمزتين، فقُلبِت الهمزة ياءً لفتحها وكسر ما قبلها، وحمل الفعل على المصدر، وإن لم يوجد‼ فيه الكسر؛ كما قالوا في: آخيت وأخيت(3) / حملًا على يواخي ومواخاة، والأصل: يؤاخي ومؤاخاة، فقُلِبت الهمزة واوًا لفتحها بعد ضمَّةٍ (وَقَدْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ) فلا حاجة لنا اليوم إلى ذلك، فَهَمَّ بتركه لفقد سببه.
          (ثُمَّ قَالَ) بعد أن رجع عمَّا همَّ به: هو (شَيْءٌ صَنَعَهُ النَّبِيُّ) ولأبي الوقت: ”رسول الله“ ( صلعم فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَتْرُكَهُ) لعدم اطِّلاعنا على حكمته وقصور عقولنا عن إدراك كنهه، وقد يكون فعله سببًا باعثًا على تذكُّرِ نعمة الله تعالى على إعزازه الإسلام وأهله، وزاد الإسماعيليُّ في روايته: ”ثمَّ رمل“ وقد أخرج المؤلِّف هذا الحديث أيضًا [خ¦1597]، وكذا مسلمٌ والنَّسائيُّ.


[1] في (د): «شيءٌ».
[2] «تحتيَّتين»: ليس في (ص).
[3] في (م): «آخبت وأخبت».