إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن ناسًا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله

          1501- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ قال: (حَدَّثَنَي) بالإفراد (يَحْيَى) القطَّان (عَنْ شُعْبَةَ) بن الحجَّاج قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دعامة (عَنْ أَنَسٍ ☺ : أَنَّ نَاسًا) ثمانيةً (مِنْ عُرَيْنَةَ) بضمِّ العين وفتح الرَّاء المهملتين وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة وفتح النُّون: قبيلةٌ، وعند المؤلِّف في «المغازي» [خ¦4192]: «من عُكْلٍ وعُرَيْنة»؛ بواو العطف، وسبق في «باب أبوال الإبل» من «الطَّهارة» [خ¦233] بلفظ: «من عُكْلٍ أو عُرَينة» بالشَّكِّ (اجْتَوَوُا المَدِينَةَ) بسكون الجيم وفتح المثنَّاة الفوقيَّة والواو الأولى، من باب «الافتعال» أي: كرهوا المقام بها؛ لِما فيها من الوخم، أو أصابهم الجوى، وهو داء الجوف إذا تطاول (فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم أَنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ) وكانت خمس عشرة، كما عند ابن سعدٍ (فَيَشْرَبُوا (1) مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا) تمسَّك به من قال: إنَّ بول ما أُكِلَ طاهرٌ، ودُفِع بأنَّ الدَّواء يبيح ما كان حرامًا، وهذا موضع التَّرجمة، قال ابن بطَّالٍ: والحجَّة _يعني: للمؤلِّف_ للتَّرجمة بحديث الباب قاطعةٌ؛ لأنَّه ╕ أفرد أبناء السَّبيل بإبل الصَّدقة وألبانها دون غيرهم. انتهى. وعُورِض باحتمال أن يكون ما أباح لهم من الانتفاع إلَّا بما هو قدر حصَّتهم، على أنَّه ليس في الخبر أيضا أنَّه ملَّكهم رقابها، وإنَّما فيه أنَّه أباح لهم شرب ألبان الإبل للتَّداوي. واستنبط منه المؤلِّف جواز استعمالها في بقيَّة المنافع إذ لا فرقَ، وأمَّا تمليك رقابها فلم يقع، وغاية ما يُفهَم من حديث الباب: أنَّ للإمام أن يخصَّ بمنفعة مال الزَّكاة دون الرَّقبة صنفًا دون صنفٍ، بحسب الاحتياج على أنَّه ليس في الخبر أيضًا تصريحٌ بأنَّه لم يصرف من ذلك شيئًا لغير العرنيِّين، فليست الدَّلالة منه لذلك ظاهرةً أصلًا، قاله في «فتح الباري». (فَقَتَلُوا) أي: فلمَّا شربوا منهما وصَحَوا قتلوا (الرَّاعِيَ) يسارًا النُّوبيَّ (وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ) سوقًا عنيفًا، وفي نسخةٍ: ”واستاقوا الإبل“ (فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) سريَّةً عشرين نفسًا، وكان أميرهم كرز بن جابرٍ أو سعيد بن سعيدٍ، فأدركوهم في ذلك اليوم (فَأُتِيَ بِهِمْ) بضمِّ الهمزة (فَقَطَّعَ) بتشديد الطَّاء، وفي نسخةٍ / بتخفيفها، أي: فأمر فقطع(2) (أَيْدِيَهُمْ) جمع يدٍ، فإمِّا أن يُراد أقلُّ الجمع؛ وهو اثنان؛ لأنَّ لكلٍّ منهم يدين، وإمَّا أن يريد التَّوزيع عليهم بأن تُقطَع(3) من كلِّ واحد منهم يدٌ(4) واحدةٌ، والجمع في مقابلة الجمع يفيد التَّوزيع (وَأَرْجُلَهُمْ) من خلافٍ (وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ) بفتح السِّين والميم، مُخفَّفةً، أي: كحَّلها بمسامير محميَّةً؛ لأنَّهم فعلوا ذلك بالرَّاعي، ولأبي ذرٍّ: ”وسمَّر“ بتشديد الميم، والأوَّل أشهر وأوجه‼، كما نبَّه عليه المنذريُّ (وَتَرَكَهُمْ بِالحَرَّةِ) بفتح الحاء وتشديد الرَّاء المهملتين: أرضٌ ذات حجارةٍ سُودٍ (يَعَضُّونَ الحِجَارَةَ) بفتح الياء والعين المهملة.
          (تَابَعَهُ) أي: تابع قتادة (أَبُو قِلَابَةَ) بكسر القاف، عبد الله بن زيدٍ الجرميُّ، فيما(5) وصله المؤلِّف في «كتاب الطَّهارة» [خ¦233] (وَحُمَيْدٌ) الطَّويل فيما وصله مسلمٌ والنَّسائيُّ وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة (وَثَابِتٌ) البنانيُّ، فيما وصله المؤلِّف في «كتاب الطِّبِّ» [خ¦5686] (عَنْ أَنَسٍ) ☺ .


[1] في (ب) و(س): «فشربوا»، وفي (ص): «فليشربوا»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (د) و(م): «بقطع».
[3] في (د): «يقطع».
[4] في (د): «يدًا».
[5] في (د): «ممَّا»، وكذا في الموضع اللَّاحق.