إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًا العشر

          1483- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) هو سعيد بن الحكم بن محمَّد بن أبي مريم، أبو محمَّدٍ الجمحيُّ بالولاء، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ) بفتح الواو وسكون الهاء، القرشيُّ المصريُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ) الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) ولأبي ذرٍّ: ”عن ابن شهابٍ الزُّهريِّ“ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن عمر بن الخطَّاب ( ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ) من باب ذكر المحلِّ وإرادة الحالِّ، أي: المطر (وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا) بفتح العين المهملة والمُثلَّثة المُخفَّفة وكسر الرَّاء وتشديد التَّحتيَّة، ما يُسقَى بالسَّيل الجاري في حفرٍ، وتُسمَّى الحفرة(1) عاثوراء؛ لتعثُّر المارِّ بها إذا لم يعلمها، قاله الأزهريُّ، وهو المُسمَّى بالبعليِّ في الرِّواية الأخرى (العُشْرُ) مبتدأٌ، خبره: «فيما سقت السَّماء» أي: العُشْرُ واجبٌ فيما سقت السَّماء(2) (وَمَا سُقِيَ(3) بِالنَّضْحِ) بفتح النُّون وسكون المعجمة بعدها مُهمَلةٌ: ما سُقِي من الآبار(4) بالغرب أو بالسَّانية(5) فواجبُه (نِصْفُ العُشْرِ)‼ والفرق ثقل المؤنة هنا(6)، وخفَّتها في الأوَّل، والنَّاضح: اسمٌ لِما يُسقَى عليه من بعيرٍ أو بقرةٍ ونحوهما.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) أي(7): البخاريّ: (هَذَا) أي: حديث الباب (تَفْسِيرُ) الحديث (الأَوَّلِ) وهو حديث أبي سعيدٍ السَّابق في «باب ما أُدِّي زكاته فليس بكنزٍ» [خ¦1405] واللَّاحق لهذا الباب، ولفظه: «ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ» [خ¦1484] (لأَنَّهُ لَمْ يُوَقِّتْ) بكسر القاف، ولأبي ذرٍّ: ”يُوقَّت“ بفتحها (فِي) الحديث (الأَوَّلِ) يريد لم يحدِّد بالعُشْر أو نصفه، وكان الأصل أن يقول: لأنَّه لم يوقِّت فيه، لكنَّه عبَّر بالظَّاهر موضع المضمر _(يَعْنِي) أي: البخاريُّ بقوله: هذا (حَدِيثَ ابْنِ(8) عُمَرَ_ «وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ العُشْرُ» / ) جملةٌ معترضةٌ من كلام الرَّاوي بين قوله: «لأنَّه لم يوقِّت في الأوَّل»، وبين قوله: (وَبَيَّنَ فِي هَذَا) أي: في حديث ابن عمر ما يجب فيه العُشْر أو نصفه (وَوَقَّتَ) أي: حدَّد به. هذا ما ظهر(9) لي من شرح هذا القول، والذي مشى عليه الكِرمانيُّ وغيره من الشُّرَّاح ممَّن علمته أنَّ مراده أنَّ حديث أبي سعيدٍ مفسِّرٌ لحديث ابن عمر، والزِّيادةَ والتَّوقيتَ تعيينُ النِّصابِ، وفي هذا نظرٌ لا يخفى؛ لأنَّه يصير المعنى، قال أبو عبد الله: هذا تفسير الأوَّل، يعني: حديث أبي سعيدٍ السَّابق؛ لأنَّه لم يوقِّت في الأوَّل الذي هو حديث أبي سعيدٍ، وهو خلاف المُدَّعى، فليُتأمَّل، نعم حديث ابن عمر هذا بعمومه ظاهرٌ في عدم اشتراط النِّصاب، فحديث أبي سعيدٍ مُقيِّدٌ لإطلاقه، كما أنَّ حديث ابن عمر مُقيِّدٌ لإطلاق حديث أبي سعيدٍ، فكلٌّ منهما مفسِّرٌ للآخر بما فيه من الزِّيادة (وَالزِّيَادَةُ) من الثِّقة (مَقْبُولَةٌ، وَالمُفَسَّرُ) بفتح السِّين (يَقْضِي عَلَى المُبْهَمِ) بفتح الهاء، أي: الخاصُّ يقضي على العامِّ بالتَّخصيص؛ لأنَّ قوله: «ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقةٌ» يشمل ما يُسقَى بمؤنةٍ وغير مؤنةٍ، وقوله: «فيما سقت السَّماء» خاصٌّ (إِذَا رَوَاهُ أَهْلُ الثَّبْتِ) بسكون المُوحَّدة في فرع «اليونينيَّة»، وقال الحافظ ابن حجرٍ _كالكِرمانيِّ_ وغيره بفتحها، «وإذا رواه» متعلِّقٌ(10) بقوله: «مقبولةٌ»، وقال التَّيميُّ والإسماعيليُّ: إنَّ هذا القول في نسخة الفَـِرَبْريِّ إنَّما هو عقب حديث أبي سعيدٍ [خ¦1484] في الباب التَّالي لهذا الباب، وإنَّ وقوعه هنا غلطٌ من النَّاسخ، ويشكل عليه ثبوته في الأصول المعتمدة في كلٍّ من البابين عقب حديث ابن عمر، وفي روايةٍ عن أبي ذرٍّ وابن عساكر عقب حديث أبي سعيدٍ، وإن اختلف بعض اللَّفظ فيهما على أنَّ نسبة الغلط للنَّاسخ إنَّما تتأتَّى على تقدير إرادة المؤلِّف أنَّ حديث أبي سعيدٍ مفسِّرٌ لحديث ابن عمر، وقد مرَّ ما في ذلك، وأمَّا على ما ذكرته من أنَّ حديث الباب مفسِّرٌ لحديث أبي سعيدٍ فلا، وحينئذٍ فالمصير إلى ما ذكرته أَوْلى من العكس على ما لا يخفى، وفي رواية غير أبي ذرٍّ: ”قال أبو عبد الله: هذا الأوَّل؛ لأنَّه لم يوقِّت في الأوَّل“ ، فأسقط لفظ «تفسير»‼، لكن في فرع(11) «اليونينيَّة» ضبَّب على لفظة: ”الأوَّل“ الأولى(12)، وكتب في الهامش صوابهُ: ”أولى، أو المفسِّر للأوَّل“ (13) بفتح الهمزة وسكون الواو، من الأولويَّة، والمفسِّر بكسر السِّين، قلت: ومعناه: حديث الباب أَوْلى من حديث أبي سعيدٍ السَّابق؛ لما فيه من زيادة التَّمييز بين ما يسقى بمؤنةٍ وبغير مؤنةٍ، أو هو المفسِّر لحديث أبي سعيدٍ(14) حيث بيَّن(15) فيه _كما مرَّ_، وهو يؤيِّد ما شرحته، فليُتأمَّل.
          (كَمَا رَوَى الفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ، فيما وصله أحمد: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمْ يُصَلِّ فِي الكَعْبَةِ) يوم فتح مكَّة (وَقَالَ بِلَالٌ) المؤذِّن، فيما وصله المؤلِّف في «الحجِّ» [خ¦1599]: (قَدْ صَلَّى) فيها يومئذٍ (فَأُخِذَ بِقَوْلِ بِلَالٍ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، لِما معه من الزِّيادة (وَتُرِكَ قَوْلُ الفَضْلِ) بضمِّ تاء «تُرِك» مبنيًّا للمفعول، كـ «أُخِذ»، وليس قول بلالٍ منافيًا لقول الفضل: «لم يصلِّ»، بل مراده أنَّه لم يره؛ لاشتغاله بالدُّعاء ونحوه في ناحيةٍ من نواحي البيت غير التي صلَّى فيها النَّبيُّ صلعم .


[1] في (د): «ويُسمَّى الحفر».
[2] «السَّماء»: ليس في (د).
[3] في (ص): «يسقي».
[4] في (ص): «بالآبار».
[5] في (د): «بالقرب أو السَّانية»، وفي (ص): «بالغرب أو بالسَّاقية».
[6] «هنا»: ليس في (د).
[7] «أي»: ليس في (ص).
[8] في (ص): «أبي»، وهو تحريفٌ.
[9] في (ص): «يظهر».
[10] في (د): «يتعلَّق».
[11] «فرع»: مثبتٌ من (م).
[12] في (د): «يتعلَّق».
[13] في (ب) و(س): «للأولى».
[14] زيد في (ص): «السَّابق».
[15] زيد في (ص): «ما».