إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: والذي نفسي بيده أو كما حلف ما من رجل تكون له

          1460- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصٌ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (عَنِ المَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) بفتح الميم وسكون العين المهملة وبتكرير الرَّاء، و«سُوَيْدٍ» بضمِّ السِّين مُصغَّرًا (عَنْ أَبِي ذَرٍّ ☺ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ) ولأبي ذرٍّ: ”انتهيت إليه“ يعني: النَّبيَّ ( صلعم قَالَ: وَ) الله (الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ _أَوْ) قال: (وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ_) لم يضبط أبو ذرٍّ اللَّفظ الذي حلف به ╕ ، وقول الحافظ ابن حجرٍ في «الفتح»: إنَّ الضَّمير في قوله: «انتهيت إليه» يعود على أبي ذرٍّ، وهو الحالف، وأنَّ قوله: «انتهيت إليه» مقول المعرور غير ظاهرٍ، ولعلَّه سبق قلمٍ، ويؤيِّد ذلك مع ما سبق رواية مسلمٍ عن المعرور عن أبي ذرٍّ: انتهيت إلى رسول الله صلعم ، وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة، فلمَّا رآني قال: «هم الأخسرون وربِّ الكعبة...» الحديث، ورواية التِّرمذيِّ عن المعرور عن أبي ذرٍّ قال: جئت إلى رسول الله صلعم وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة(1)، قال: فرآني مقبلًا، فقال: «هم الأخسرون، وربِّ الكعبة...» الحديث، وفيه: ثُمَّ(2) قال: والذي نفسي بيده (مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا) أي: زكاتها (إِلَّا أُتِيَ بِهَا) بضمِّ الهمزة (يَوْمَ القِيَامَةِ) حال كونها (أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ) عطفٌ على المنصوب السَّابق (تَطَؤُهُ) ذوات الأخفاف منها (بِأَخْفَافِهَا) جمع خفٍّ (وَتَنْطَـِحُهُ) بكسر الطَّاء وتُفتَح، ذوات القرون (بِقُرُونِهَا) فالضَّمير في كلِّ قَسَمٍ عائدٌ على بعض الجملة لا على الكلِّ، والخفُّ للإبل، والقرن للبقر، والظَّلف للغنم والبقر، وفي حديث أبي هريرة السَّابق في «باب إثم مانع الزَّكاة» [خ¦1402]: «وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت إذا لم يُعْطِ فيها حقَّها، تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها...» الحديث، والتَّقدير بذوات الأخفاف، وذوات القرون الذي ذكرته لابن المُنيِّر، وبه يُجاب عمَّا استشكله: من أنَّه قِيلَ في الإبل والبقر: «تطؤه بأخفافها»، وهو أحسن من قول بعضهم: في روايةٍ ”بأظلافها“ ، وهو يدلُّ على أنَّ كلَّ واحدٍ منهما يوضع موضع الآخر، وأجاب القاضي عياضٌ بأنَّه لمَّا اجتمعا غلب أحدهما على الآخر، وردَّ بقوله: «وتنطحه بقرونها» لأنَّه لا إشكال أنَّ الإبل لا قرون لها ولا شيء يقوم مقام القرون، والتَّغليب إنَّما يكون إذا وُجِد شيئان متقاربان (كُلَّمَا جَازَتْ) بالجيم والزَّاي، أي: مرَّت (أُخْرَاهَا رُدَّتْ(3) عَلَيْهِ أُولَاهَا) بضمِّ راء «رُدَّت» مبنيًّا للمفعول، والضَّمير في «عليه» للرَّجل، أي: فهو مُعاقَبٌ بذلك (حَتَّى يُقْضَى‼ بَيْنَ النَّاسِ) إلى أن يفرغ الحساب. (رَوَاهُ بُكَيْرٌ) هو ابن عبد الله بن الأشجِّ، ممَّا وصله مسلمٌ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) ومراد المؤلِّف بهذا موافقةُ / هذه الرِّواية لحديث أبي ذرٍّ في ذكر البقر؛ لأنَّ(4) الحديثين مستويان في جميع ما وردا فيه، قاله في «الفتح».
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة من جهة أنَّ الحديث يتضمَّن الوعيد فيمن لم يؤدِّ زكاة البقر، فيدلُّ على وجوب زكاتها، ولم يذكر المؤلِّف شيئًا ممَّا يتعلَّق بنصابها؛ لكونه لم يقع له شيءٌ على شرطه، وروى التِّرمذيُّ وحسَّنه وصحَّحه الحاكم عن معاذٍ: بعثني النَّبيُّ صلعم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من أربعين بقرةً مُسِنَّةً، ومن كلِّ ثلاثين بقرةً تبيعًا، وروى الحاكم أيضًا من حديث عمرو بن حزمٍ عن كتاب النَّبيِّ صلعم : «وفي كلِّ أربعين باقورةً بقرةٌ»، وقد حكم بعضهم بتصحيح حديث معاذٍ واتِّصاله، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ مسروقًا لم يلقَ معاذًا، وإنَّما حسَّنه التِّرمذيُّ لشواهده، والتَّبيع: ما له سنةٌ كاملةٌ وسُمِّي به؛ لأنَّه يتبع أمه، وتجزئ عنه تبيعةٌ، بل أَوْلى للأنوثة، والمسنَّة هي الثَّنيَّة، أي: ذات سنتين، وسُمِّيت بذلك(5)، لتكامل أسنانها، ويجزئ عنها تبيعان، لإجزائهما عن ستِّين(6).


[1] قوله: «فلمَّا رآني؛ قال: هم الأخسرون وربِّ الكعبة... وهو جالسٌ في ظلِّ الكعبة» سقط من (م).
[2] «ثمَّ»: ليس في (د).
[3] في (ص): «مرَّت».
[4] في (ب) و(س): «لا أنَّ»، لما في «الفتح» (3/380).
[5] «بذلك»: ليس في (ص) و(م).
[6] في (ص): «سنين»، وهو تصحيفٌ.