إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا

          1409- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) الزَّمِن البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) القطَّان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ) بن أبي خالدٍ، واسمه سعدٌ الكوفيّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (قَيْسٌ) هو(1) ابن أبي حازم، واسمه عوفٌ الأحمسيُّ البجليُّ (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ☺ ) أنَّه(2) (قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: لَا حَسَدَ) لا غبطة (إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) بالتَّأنيث، أي: خصلتين(3): (رَجُلٍ) بالجرِّ بدلٌ من «اثنتين» على حذف مضافٍ، ولأبي ذَرٍّ: ”رجلٌ“ بالرَّفع على إضمار مبتدأٍ، أي: أحدهما: رجلٌ (آتَاهُ) بالمدِّ، أي: أعطاه (اللهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ) بفتح اللَّام، وفيه مبالغتان: التَّعبير بالتَّسليط المقتضي للغلبة، وبالهلكة المشعرة بفناء الكلِّ (فِي الحَقِّ) أخرج التَّبذير الذي هو صرف المال فيما لا ينبغي (وَرَجُلٍ) بالجرِّ، ولأبي ذرٍّ: ”ورجلٌ“ بالرَّفع (آتَاهُ اللهُ) أعطاه (حِكْمَةً) القرآن أو السُّنَّة كما قال الإمام الشَّافعيُّ‼ في «الرِّسالة» (فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا) فإن قلت: كلُّ خيرٍ يتمنَّى مثله شرعًا، فما وجه حصر التَّمنِّي في هاتين الخصلتين؟ أجاب ابن المُنيِّر بأنَّ الحصر هنا غير مرادٍ، وإنَّما المراد مقابلة ما في الطِّباع بضدِّه(4)؛ لأنَّ الطِّباع تحسد على جمع(5) المال وتذمُّ ببذله، فبيَّن الشَّرع عكس الطَّبع فكأنَّه قال: لا حسد إلَّا فيما تذمُّون عليه، ولا مذمَّة إلَّا فيما تحسدون عليه، ووجه المؤاخاة بين الخصلتين: أنَّ المال يزيد بالإنفاق ولا ينقص؛ لقوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}[البقرة:276] ولقوله ╕ : «ما نقص مالٌ من صدقةٍ»، والعلم يزيد أيضًا بالإنفاق منه، وهو التَّعليم فتواخيا.
          وهذا الحديث سبق في «كتاب العلم» في «باب الاغتباط» [خ¦73].


[1] «هو»: ليس في (د).
[2] «أنَّه»: مُثبَتٌ من (ص).
[3] في غير (ب) و(س): «خصلة».
[4] في (د): «بفضدة»، وهو تحريفٌ.
[5] في (م): «جميع».