إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا قال للنبي: إن أمي أفتلتت نفسها

          1388- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) هو سعيد(1) بن(2) الحكم بن أبي مريم قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هو ابن أبي(3) كثيرٍ، المدنيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (هِشَامٌ) وفي نسخةٍ: ”هشام بن عروة“ (عَنْ أَبِيهِ) عروة بن الزُّبير، ولأبي ذَرٍّ: «عن عروة» بدل قوله: «عن أبيه» (عَنْ عَائِشَةَ ♦ : أَنَّ رَجُلًا) هو سعد بن عبادة (قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم : إِنَّ أُمِّي) عَمْرة (افْتُلِتَتْ) بضمِّ المثنَّاة الفوقيَّة وكسر اللَّام مبنيًّا للمفعول، أي: ماتت فلتةً، أي: فجأةً (نَفْسُهَا) بالرَّفع: نائبٌ عن الفاعل، وبالنَّصب: على أنَّه المفعول الثَّاني بإسقاط حرف الجرِّ، والأوَّل مضمرٌ؛ وهو القائم مقام الفاعل، أو يُضَمَّن «افتُلِتَت» معنى: سُلِبَت(4)، فيكون «نفسُها» مفعولًا ثانيًا لا على إسقاط الجارِّ، أو بالنَّصب(5) على التَّمييز، وكانت وفاتها سنة خمسٍ من الهجرة فيما ذكره ابن عبد البرِّ (وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟) بكسر همزة «إِنْ» على أنَّها شرطيَّةٌ، قال الزَّركشيُّ: وهي الرِّواية الصَّحيحة، ولا يصحُّ قول من فَتَحها؛ لأنَّه إنَّما سأل عمَّا لم يفعل، لكن قال البدر الدَّمامينيُّ: إِنْ ثبتت لنا روايةٌ بفتح الهمزة من «إِنْ»؛ أمكن تخريجها على مذهب الكوفيِّين في صحَّة مجيء «أَنْ» المفتوحة الهمزة شرطيَّةً كـ «إنْ» المكسورة، ورجَّحه ابن هشامٍ، والمعنى حينئذٍ صحيحٌ بلا شكٍّ (قَالَ) ╕ : (نَعَمْ) لها أجرٌ إن تصدَّقتَ عنها، وأشار المؤلِّف بهذا إلى أنَّ موت الفجأة ليس بمكروهٍ؛ لأنَّه ╕ لم يظهر منه كراهةٌ لمَّا أخبره الرَّجل بأنَّ أمه افتُلِتَت نفسها، ونبَّه بذلك على أنَّ معاني الأحاديث الَّتي وردت في الاستعاذة من موت الفجأة؛ كحديث أبي داود بإسنادٍ رجالُه ثقاتٌ، لكنَّ راويه رفعه مرَّةً، ووقَفَه أخرى(6): «موت(7) الفجأة أخذةُ آسِفٍ»، ولأنَّه(8) لا يؤنس من صاحبها، ولا يُخرَج بها عن حكم الإسلام ورجاء الثَّواب وإن كان مستعاذًا منها؛ لما يفوت بها(9) من خير الوصيَّة والاستعداد(10) للمعاد بالتَّوبة وغيرها من الأعمال الصَّالحة، وفي «مصنف ابن أبي شيبة» عن عائشة وابن مسعودٍ: «موت الفجأة راحةٌ للمؤمن(11)، وأسفٌ على / الفاجر»، ونقل النَّوويُّ عن بعض القدماء‼: أنَّ جماعةً من الأنبياء والصُّلحاء ماتوا كذلك، قال النَّوويُّ: وهو محبوبٌ للمراقبين.
          ورواة هذا الحديث مدنيُّون إلَّا شيخ المؤلِّف فمصريٌّ، وفيه التَّحديث، والإخبار، والعنعنة، والقول.


[1] زيد في النُّسخ: «بن محمَّد»، وليس بصحيحٍ.
[2] زيد في (د): «النَّصب».
[3] «أبي»: سقط من (د).
[4] في (م): «سكنت».
[5] في (د): «النَّصب».
[6] في (د): «مرة».
[7] «موت»: ليس في (د).
[8] في (د): «وأنَّه».
[9] في (م): «فيها».
[10] في (ص): «بالاستعداد».
[11] في (ص) و(م): «المؤمن».