إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: حرم الله مكة فلم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي

          1349- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ) بفتح المهملة والشِّين المعجمة، بينهما واوٌ ساكنةٌ، آخره موحَّدةٌ، الطَّائفيُّ قال: (حَدَّثَنَا / عَبْدُ الوَهَّابِ) بن عبد المجيد الثَّقفيُّ قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) الحذَّاء (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاسٍ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ) يوم فتح مكَّة: (حَرَّمَ اللهُ ╡ مَكَّةَ) أي: جعلها حرامًا يوم خلق السَّموات والأرض (فَلَمْ(1) تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا لأَحَدٍ) ولأبي الوقت من غير «اليونينيَّة»(2): ”ولا تحلُّ لأحدٍ“ (بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي) أي: أبيح لي القتال فيها (سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ) وهي من ضحوة النَّهار إلى ما(3) بعد العصر كما في «كتاب الأموال» لأبي عبيدٍ(4)، وللحَمُّويي والمُستملي: ”أُحلَّت له ساعةً من نهارٍ“ (لَا يُخْتَلَى) بضمِّ أوَّله وسكون ثانيه المعجم وفتح لامه (خَلَاهَا) بالقصر وفتح الخاء المعجمة، لا يُجزُّ ولا يقطع كلؤها الرَّطب الَّذي نبت بنفسه (وَلَا يُعْضَدُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه، أي: لا يُكسَر (شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) أي: لا يُزعَج من مكانه (وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا) بفتح القاف وسكونها، أي: لا تُرفَع ساقطتها (إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) يعرِّفها، ولا يأخذها للتَّمليك بخلاف سائر البلدان (فَقَالَ العَبَّاسُ ☺ : إِلَّا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا) أي: ليكن هذا استثناءً(5) من الكلأ يا رسول الله (فَقَالَ) صلعم باجتهادٍ أو وَحْيٍ(6) إليه في الحال (إِلَّا الإِذْخِرَ) وسقط «إلَّا» لابن عساكر، ويجوز أن يكون أُوحِيَ إليه قبل ذلك: أنَّه إِنْ طلب منك(7) أحدٌ استثناءَ شيءٍ فاستثنِ، و«الإذخرُ» بالرَّفع على البدل، والنَّصب على الاستثناء؛ لكونه واقعًا بعد النَّفي، لكنَّ المختار _كما(8) قاله ابن مالك_ نصبُه، إمَّا لكون الاستثناء متراخيًا عن المستثنى منه، فتفوت المشاكلة بالبدليَّة، وإمَّا لكون الاستثناء عَرَضَ في آخر الكلام، ولم يكن مقصودًا أوَّلًا.
          (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ ) ممَّا وصله المؤلِّف في «كتاب العلم» [خ¦112] (عَنِ النَّبِيِّ صلعم : لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا) ولفظه: إنَّ خزاعة قتلوا رجلًا من بني ليثٍ عام فتح مكَّة بقتيلٍ منهم قتلوه، فأُخبِرَ بذلك النَّبيُّ صلعم ، فركب راحلته، فخطب فقال: «إنَّ الله حبس عن مكَّة القتل أو الفيل...» الحديث، وفيه: فقال رجلٌ من قريشٍ: إلَّا الإذخر يا رسول الله، فإنَّا نجعله في بيوتنا وقبورنا، أي: لحاجة سقف بيوتنا، نجعله فوق الخشب، ولحاجة قبورنا في سدِّ الفُرَج التي بين اللَّبنات والفرش ونحوه، فقال النَّبيُّ صلعم : «إلَّا الإذخر(9)». (وقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ) هو ابن عميرٍ بن عبيدٍ القرشيُّ، ممَّا وصله ابن ماجه من طريقه (عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ) هو ابن يَنَّاق _بفتح التَّحتيَّة وتشديد النُّون آخره قافٌ_ المكِّيِّ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ) بن عثمان بن أبي طلحة، العبدريَّة: (سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم مِثْلَهُ) أي: يذكر البيوت والقبور، وقولها: «سمعْتُ» بسكون العين، ولأبي ذَرٍّ: ”سَمِعَتِ النَّبيَّ صلعم “ بفتح العين وكسر التَّاء لالتقاء السَّاكنين، واختُلِفَ في صحبة صفيَّة هذه، وأبعد من قال: لا رؤيةَ لها، وقد صرَّح هنا بسماعها من النَّبيِّ صلعم ، وقد أخرج ابن منده من طريق محمَّد بن جعفر بن الزُّبير، عن عبيد الله بن عبد الله(10) بن أبي ثورٍ، عن صفيَّة‼ بنت شيبة، قالت: والله لكأنِّي أنظر إلى رسول الله صلعم حين دخل الكعبة... الحديث.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ طَاوُسٍ) ممَّا هو موصولٌ في «الحجِّ» [خ¦1834] (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ : لِقَيْنِهِمْ) بفتح القاف وسكون التَّحتيَّة، أي: فإنَّه لحاجة حدادهم (وَ) حاجة (بُيُوتِهِمْ) أورده لقوله: «لقينهم» بدل قوله: «لقبورهم»، ولعلَّه أشار إلى ترجيح الرِّواية الأولى؛ لموافقة رواية أبي هريرة وصفيَّة.


[1] في (ص): «فلا».
[2] «من غير اليونينيَّة»: سقط من (م).
[3] «ما»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[4] في غير (د) و(م): «عبيدة»، وليس بصحيحٍ.
[5] في (د): «ليكن هناك الاستثناء».
[6] في (ص) و(م): «أُوحِيَ».
[7] في (د): «لأنَّه إن طلب منه»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[8] في (ص): «ما».
[9] «إلَّا الإذخر»: مثبتٌ من (ص) و (م).
[10] «بن عبد الله»: مثبتٌ من (د) و(س).