إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق الليث: نادت امرأة ابنها وهو في صومعة

          1206- (وَقَالَ اللَّيْثُ) بن سعدٍ المصريُّ، ممَّا وصله الإسماعيليُّ من طريق عاصم بن عليٍّ، شيخ المؤلِّف عنه مطوَّلًا قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (جَعْفَرٌ) ولأبي ذَرٍّ ممَّا صحَّ عند(1) اليونينيِّ: ”ابن ربيعة“ أي: ابن شُرَحْبِيل بن حَسَنة المصريُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ) الأعرج المدنيِّ (قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺ : قَالَ رَسُولُ اللهِ) وللأَصيليِّ: ”قال النَّبيُّ“ ( صلعم : نَادَتِ امْرَأَةٌ ابْنَهَا) جريجًا (وَهْوَ) أي: والحال أنه (فِي صَوْمَعَةٍ) بفتح الصاد المهملة، بوزن فَوْعَلَة من صمعت إذا دققت؛ لأنَّها دقيقة الرَّأس، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكر وأبي الوقت: «في صومعته» بزيادة مثنَّاةٍ فوقيَّةٍ قبل الهاء، وكان في صلاته، قيل(2): ولم يكن الكلام في الصَّلاة ممنوعًا منه(3) في شريعته (قَالَتْ: يَا جُرَيْجُ) بضمِّ الجيم وفتح الرَّاء وسكون المثنَّاة التَّحتيَّة ثمَّ الجيم (قَالَ) جريجٌ، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”فقال“ (اللَّهُمَّ) قد اجتمع حقُّ إجابة (أُمِّي وَ) حقُّ(4) إتمام (صَلَاتِي) فوفِّقني لأفضلهما، ثمَّ (قَالَتْ) ثانيًا: (يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ) قد اجتمع حقُّ إجابة (أُمِّي وَ) حقُّ إتمام (صَلَاتِي) ثمَّ (قَالَتْ) في الثَّالثة: (يَا جُرَيْجُ، قَالَ: اللَّهُمَّ) قد اجتمع حقُّ إجابة (أُمِّي وَ) حقُّ إتمام (صَلَاتِي) وعدمُ إجابته(5) لها مع ترديد ندائها له يُفهم ظاهره: أنَّ الكلام عنده يقطع الصَّلاة، ولمَّا لم يجبها في الثَّالثة(6)، وآثر استمراره في صلاته ومناجاته على إجابتها، واختار(7) التزام مراعاة حقِّ الله على حقِّها (قَالَتِ) داعيةً عليه بلفظ النَّفي: (اللَّهُمَّ لَا يَمُوتُ جُرَيْجٌ حَتَّى يَنْظُرَ فِي وَجْهِ) بالإفراد، ولأبي ذَرٍّ: ”في وجوه“ (المَيَامِيسِ) بميمَين الأولى مفتوحةٌ والثَّانية مكسورةٌ، بعد كلٍّ منهما مثنَّاةٌ الثَّانيةُ ساكنةٌ، جمع: مومِسة، بكسر الميم، وهي: الزَّانية، وغلَّط ابن الجوزيِّ إثبات المثنَّاة الأخيرة، وصوَّب حذفها، وخُرِّج على إشباع الكسرة، وقد كان من كرامة الله تعالى لجريجٍ أَنْ أَلْهَمَ الله(8) أمَّه الاقتصاد في الدَّعوة، فلم تقل: اللَّهم امتحنْه، بل(9) إنَّما قالت: اللَّهم لا تمته حتَّى تريه وجوه المياميس(10)، فلم تقتضِ الدَّعوة إلَّا كدرًا يسيرًا‼، بل أعقبت سرورًا كثيرًا (وَكَانَتْ تَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ) امرأةٌ (رَاعِيَةٌ تَرْعَى الغَنَمَ) الضَّأن، فوقع عليها رجلٌ (فَوَلَدَتْ) منه غلامًا (فَقِيلَ لَهَا: مِمَّنْ هَذَا الوَلَدُ؟ قَالَتْ(11): مِنْ جُرَيْجٍ) صاحب الصَّومعة (نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ) وأحبلني هذا الولد (قَالَ جُرَيْجٌ) لمَّا بلغه ذلك: (أَيْنَ هَذِهِ) المرأة (الَّتِي تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَهَا لِي؟) ثمَّ (قَالَ) ولابن عساكر: «قالوا(12)»: (يَا بَابُوسُ) بفتح المُوحَّدة وبعد الألف موحَّدةٌ أخرى مضمومةٌ وبعد الواو السَّاكنة سينٌ مهملةٌ، بوزن فاعول، هو الصَّغير، أو اسمٌ للرَّضيع، أو لذلك الولد بعينه (مَنْ أَبُوكَ؟) أي: خُلِقت مِن ماءِ مَن؟ فأنطق اللهُ الغلامَ آيةً له، و(قَالَ: رَاعِي الغَنَمِ) وسمَّاه أبًا مجازًا أو يكون في شرعهم أنَّه يلحقه. واعلم: أنَّه لمَّا تعارض عند جريجٍ حقُّ الصَّلاة وحقُّ الصِّلة لأمِّه(13) رجَّح حقَّ الصَّلاة، وهو الحقُّ، لكنَّ / حقَّ الصِّلة المرجوح لم يذهب هدرًا؛ ولذا أُجِيبت فيه الدَّعوة اعتبارًا لكونه ترك الصِّلة، وحسُنَت عاقبته، وظهرت كرامته اعتبارًا بحقِّ الصَّلاة، ولم يكن ذلك تناقضًا، بل هو من جنس قوله ╕ [خ¦2218]: «واحتجبي منه يا سودةُ» اعتبارًا للشَّبه المرجوح، وقول ابن بطَّالٍ: إنَّ سبب دعائها عليه؛ لإباحة الكلام إذ ذاك، معارَضٌ بقول جريجٍ المشهود له بالكرامة: «أمِّي وصلاتي» إذ ظاهره عدم إباحته _كما مرَّ_ وهو مصيبٌ في ذلك، ولا يقال: إن كان جريج مصيبًا في نظره، وأوخذ بإجابة الدَّعوة فيه لزم التَّكليف بما لا يُطاق؛ لأنَّ الحقَّ: أنَّ المؤاخذة هنا ليست عقوبةً، وإنَّما هي تنبيهٌ على عِظَم حقِّ الأمِّ وإن كان مرجوحًا، قاله ابن المنيِّر، فيما نقله في «المصابيح».
          ورواة هذا(14) الحديث ما بين مصريٍّ ومدنيٍّ، وفيه التَّحديث بصيغة الإفراد، والعنعنة، والقول، وأخرجه المؤلِّف في «باب: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ }[مريم:16[خ¦3436] وفي «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3466]، ومسلمٌ في «باب برِّ الوالدين».


[1] في غير (د) و(س): «في»، وليس بصحيحٍ.
[2] في (م): «قبل»، وهو تصحيفٌ.
[3] «منه»: ليس في (ب) و(س).
[4] «حقُّ»: ليس في (م)، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[5] في (س): «إجابتها»، وليس بصحيحٍ.
[6] في (ص): «الصَّلاة».
[7] في (م): «اختيار».
[8] «الله»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[9] «بل»: ليس في (د) و(س)، وهي مثبتة من (ص).
[10] في (ص) و(م): «المواميس».
[11] زيد في (د): «هو».
[12] في (ص): «فقال»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[13] «لأمه»: ليس في (م).
[14] «هذا»: ليس في (د).