إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات

          1202- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عِيسَى) بسكون الميم، الضُّبعيُّ، بضمِّ المعجمة قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ) زاد الهرويُّ: ”العَمِّيُّ“ بفتح العين المهملة(1) وتشديد الميم، هو (عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ) البصريُّ، وذكره بكنيته، ثم باسمه، قال(2): (حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضمِّ الحاء وفتح الصَّاد المهملتين(3) (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) شقيق بن سلمةٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ☺ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ التَّحِيَّةُ) بالإفراد والرَّفع(4)، مبتدأٌ خبرُه: (فِي الصَّلَاةِ) ويُروى: «التَّحيَّةَ» بالنَّصب مفعول «نقول(5)»، واستُشكِلَ: من حيث إنَّ مقول القول لا بدَّ أن يكون جملةً، وقوله(6): «التَّحيَّة» مفردٌ، وأُجِيب بأنَّه في حكم الجملة؛ لأنَّه عبارةٌ عن قولهم: السَّلام على فلان؛ كقولهم: قلت قصَّةً، وقلت خبرًا(7) (وَنُسَمِّي) أي: نقول: السَّلام على جبريل وميكائيل، كما في حديث: «باب ما يتخيَّر من الدُّعاء بعد التَّشهُّد» [خ¦835] (وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) في حديث: «باب ما ينهى من(8) الكلام» [خ¦1199] السَّابق قريبًا(9): «كنَّا نسلِّم على النَّبيِّ صلعم ، وهو في الصَّلاة فيردُّ علينا وهو في الصَّلاة...» الحديث، وكان ابن مسعودٍ قد هاجر إلى الحبشة، وعهْدُه وعهْدُ أصحابه أنَّ الكلام في الصَّلاة جائزٌ، فوقع النَّسخ في غيبتهم، ولم يبلغهم، فلمَّا قدموا فعلوا العادة في أوَّل صلاةٍ صلَّوها معه صلعم ، فلمَّا سلَّم نهاهم في المستقبل، وعذَرهم‼ لغيبتهم وجهلهم بالحكم، فلم يُلزمهم الإعادة، مع أنَّ إمكان العلم كان يتأتَّى في حقِّهم بأن يسألوا قبل الصَّلاة: أَحَدَث(10) أمرٌ أم لا؟ وبهذا إيجابٌ عن استشكال المطابقة بين الحديث والتَّرجمة، وقال في «المصابيح»: إنِّه الجواب الصَّحيح (فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ) أي: ما ذُكِرَ من تسميتهم وتسليمهم (فَقَالَ: قُولُوا: التَّحِيَّاتُ) أي: أنواع التَّعظيم (لِلَّهِ) المتفضِّل بها (وَالصَّلَوَاتُ) الدُّعاء، أو الخَمْس المعروفة وغيرها، أو الرَّحمة (وَالطَّيِّبَاتُ) ما طاب من الكلام وحَسُن، ومعناه: أنَّ التَّحيَّات وما بعدها مستحقَّةٌ لله تعالى، ولا تصلح حقيقتها لغيره (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ) أي: السَّلام الَّذي وُجِّه إلى الأنبياء المتقدِّمة، موجَّهٌ إليك أيُّها النَّبيُّ، والسَّلام الَّذي وُجِّه إلى الأمم السَّالفة(11) من الصُّلحاء علينا وعلى إخواننا، فالتَّعريف للعهد التَّقريريِّ، قاله الطِّيبيُّ. وقيل غير ذلك، وفي(12) قوله: «وعلى عباد الله الصَّالحين» بعد قوله: «السَّلام علينا» مِن ذكر العامِّ بعد الخاصِّ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أمرهم بإفراد السَّلام عليه بالذِّكر لشرفه ومزيد حقِّه عليهم، وتخصيص أنفسهم، فإنَّ الاهتمام بها أهمُّ، ثمَّ أتبعه بشهادة التَّوحيد لله، والرِّسالة لنبيِّه ╕ ؛ لأنَّه منبع الخيرات وأساس الكمالات، ثمَّ قال: (فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ) أي: قلتم ما ذُكِرَ (فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ) بالجرِّ صفةٌ لـ «عبدٍ»، وما بينهما اعتراضٌ (فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) من ملكٍ أو مؤمنٍ.
          ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصريٍّ وكوفيٍّ، وفيه التَّحديث، والعنعنة، والقول، وشيخ المؤلِّف / من أفراده، وأخرجه ابن ماجه في «الصَّلاة».


[1] «المهملة»: ليس في (د).
[2] «قال»: ليس في (د).
[3] في (ص) و(م): «المهملة».
[4] في (م): «التَّحيَّة بالرَّفع».
[5] في (م): «يقول»، وهو تحريفٌ.
[6] في (د): «وقول».
[7] في (م): «خيرًا»، وهو تصحيفٌ.
[8] في (د): «عن».
[9] «السَّابق قريبًا»: ليس في (ص).
[10] في (ص) و(م): «حَدَثَ».
[11] في (ب) و(س): «السَّابقة»، كذا في شرح المشكاة للطيبي.
[12] «في»: مثبتٌ من (ص) و(م).