إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث سهل: خرج النبي يصلح بين بني عمرو بن عوف وحانت

          1201- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميم واللَّام، ابن قعنبٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) بالمهملة والزَّاي، واسمه سلمة(1) (عَنْ أَبِيهِ) سلمة بن دينارٍ (عَنْ سَهْلٍ) بفتح المهملة(2) وإسكان الهاء ( ☺ ) زاد الأَصيليُّ والهرويُّ: ”ابن سعْدٍ“ بسكون العين (قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم ) حال كونه (يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) بسكون الميم، زاد الأَصيليُّ والهرويُّ أيضًا «ابن الحارث» (وَحَانَتِ الصَّلَاةُ) أي: حضرت (فَجَاءَ بِلَالٌ) المؤذِّن (أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيق ( ☻ ، فَقَالَ: حُبِسَ النَّبِيُّ صلعم ) أي: تأخَّر في بني عمرٍو (فَتَؤُمُّ النَّاسَ؟) بحذف همزة الاستفهام (قَالَ) أبو بكرٍ: (نَعَمْ) أؤمُّهم (إِنْ شِئْتُمْ) فيه: أنَّه لا يؤمُّ جماعةً إلَّا برضاهم وإن كان أفضلهم (فَأَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ، فَتَقَدَّمَ(3) أَبُو بَكْرٍ ☺ فَصَلَّى) أي: فشرع في الصَّلاة بالنَّاس (فَجَاءَ النَّبِيُّ صلعم ) من بني عمرٍو، حال كونه (يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ) حال كونه (يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِالتَّصْفِيحِ(4)) بالموحَّدة والحاء المهملة، ولابن عساكر: ”في التَّصفيح“ وهو مأخوذٌ من صفحتي الكفِّ وضرْب إحداهما(5) على الأخرى (قَالَ سَهْلٌ) أي: ابن سعدٍ المذكور، ولأبوي ذَرٍّ والوقت ممَّا صحَّ عند اليونينيِّ: ”فقال سهلٌ“ (هَلْ تَدْرُونَ مَا التَّصْفِيحُ؟) أي: تفسيره (هُوَ: التَّصْفِيقُ) بالقاف بدل الحاء، وهذا يؤيِّد قول الخطَّابيِّ وأبي عليٍّ القالي والجوهريِّ وغيرهم: إنِّهما بمعنًى واحدٍ، وفي «الإكمال» للقاضي عياضٍ حكايةُ قولٍ: أنَّه بالحاء الضَّرب بظاهر إحدى اليدين على الأخرى(6)، وبالقاف بباطنها على باطن الأخرى، فبطل دعوى ابن حزمٍ نفي الخلاف في أنَّهما بمعنًى واحدٍ، وقيل بالحاء الضَّرب بأصبعين للإنذار والتَّنبيه، وبالقاف بجميعها للَّهو واللَّعب (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ☺ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا) من التَّصفيح (التَفَتَ، فَإِذَا النَّبِيُّ صلعم فِي الصَّفِّ، فَأَشَارَ) ◙ (إِلَيْهِ) ☺ : (مَكَانَكَ) أي: الْزَمْه ولا تتغيَّر عمَّا أنت فيه (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ (يَدَيْهِ) بالتَّثنية؛ للدُّعاء (فَحَمِدَ اللهَ) تعالى، حيث رفع الرَّسول ╕ مرتبته بتفويض الإمامة إليه (ثُمَّ رَجَعَ القَهْقَرَى وَرَاءَهُ، وَتَقَدَّمَ) بالواو، ولابن عساكر: ”فتقدَّم“ (النَّبِيُّ صلعم فَصَلَّى) بالنَّاس، فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للتَّرجمة، فإنَّه ذُكِرَ فيها لفظ: التَّسبيح، وليس هو فيه؟ أجيب: من حيث إنَّه ذكر هذا الحديث بتمامه في «باب من دخل ليؤمَّ النَّاس» [خ¦684]‼، فجاء الإمام الأوَّل؛ لأنَّ فيه قوله ╕ : «من نابه شيءٌ في(7) صلاته فليسبِّح، فإنَّه إذا سبَّح التُفِتَ إليه، وإنَّما التَّصفيق للنِّساء» فاكتُفِيَ به؛ لأنَّ الحديث واحدٌ. ولا يقال: عُلِمَ التَّسبيح من الحمد بالقياس عليه؛ لأنَّا نقول: حَمْد أبي بكرٍ إنَّما كان على تأهيل الرَّسول له للإمامة كما مرَّ، وقد صُرِّح بذلك في رواية «باب من دخل ليؤمَّ النَّاس» [خ¦684] «ولفظه: فحمد الله على ما أمره به رسول الله صلعم » من ذلك، فإن قلت / : لِمَ لا يكون المراد من التَّرجمة: جواز التَّسبيح والحمد مطلقًا في الجملة من غير تقييدٍ بتنبيهٍ، وتحصل المطابقة بين التَّرجمة وبين(8) ما ساقه من الحديث، ويكون التَّسبيح مقاسًا(9) على الحمد، والحديث مخصِّصًا لعموم قوله في التَّرجمة السَّابقة حيث قال: «باب ما يُنهى من الكلام في الصَّلاة»؟ فالجواب: لعلَّهم إنَّما حملوا هذه التَّرجمة على ما ذُكِرَ؛ لقوله بعد «باب التَّصفيق للنِّساء» [خ¦1203] إذ مقابِلُه التَّسبيح، وهما كما وقع التَّصريح به من الشَّارع ╕ لمن نابه شيءٌ في صلاته.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف في سبعة مواضع [خ¦684] [خ¦1218] [خ¦1234] [خ¦2690] [خ¦2190] وترجم في كلِّ منها بما يناسبه.


[1] في (ب): «مسلمة»، وهو تحريفٌ.
[2] في (ب) و(د): «أوَّله».
[3] في (ص): «فقُدّم».
[4] في (م): «بالتَّسبيح».
[5] في (م): «أحدهما».
[6] «على الأخرى»: ليس في (م).
[7] في غير (د) و(س): «من»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[8] «بين»: مثبت من (ص) و(م).
[9] في (ب) و(س): «مقيسًا».